مهلاً أيها المخلصون، انما قضيتنا قضية مبدئية وليست قضية مطلبية

6 جوان 2010

مهلاً أيها المخلصون، انما قضيتنا قضية مبدئية وليست قضية مطلبية
خالد زروان
6 يونيو/ حزيران 2010

بعد أحداث أسطول المساعدات لغزة وقتل العديد من المسلمين الأتراك على ظهره، يتوالى على صفحات الجرائد والمواقع وعلى شاشات الفضائيات وعلى مختلف وسائل الإعلام الحشد الإعلامي الهستيري والتسويق للنظام التركي ورموزه وعلى رأسهم أوردغان وبضاعتهم: الأنموذج التركي.

وقد اكتسحت هذه الهستيريا جهات وشخصيات وهيئات معهود عليها الإتزان في المواقف، وتجاوزت مجرد مدح المبادرة التركية بإرسال أسطول مساعدات إلى غزة لتركز على الدعم العلني وكيل المديح للأنموذج السياسي التركي ورموزه. ولعل أكثر المواقف خيبة هو ما صدر عن جهات عهد عليها الوقوف إلى جانب قضايا الأمة، كجبهة علماء الأزهر التي مدحت اردوغان -رمز الأنموذج التركي- وكأنها لا تعلم الدور المسند إليه من السياسة الأمريكية في المنطقة عموماً، أو حامد بن عبد الله العلي أو العديد من الشخصيات والهيئات غيرهم. وهكذا فقد تحول الكثير تحت ذرائع عدة، إلى أبواق تسويق للأنموذج التركي، أي للسياسة الأمريكية. في نفس الوقت يزداد اخرون، وأولهم حركة حماس، غرقا في وحل السياسة الأمريكية.

وما غيب بوصلة كل هؤلاء المخلصين هو غياب التفكير المبدئي عن مواقفهم وممارساتهم السياسية وإرتداد أعمالهم ومواقفهم نتيجة لذلك إلى دائرة المطلبية الضيقة والمصلحية، دأبهم في ذلك دأب النقابات العمالية ونسوا أو تناسوا أن من يريد التصدر للدفاع عن مصالح الأمة فإنه قد لزمه التزود بالفكر السياسي المبدئي لأن أعماله سياسية بالأساس وليست نقابية، ثم لأن وجهة النظر الوحيدة التي يمكن أن تساس على اساسها شؤون المسلمين هي وجهة النظر الإسلامية، ولا شيء غيرها. كذلك لأن المسلمين مطالبون شرعاً بالمحافظة على المبدأ وبالثبات وبالصبر عليه في كل الأحوال. ومن سنة الله أن جعل النصر مع الصبر. وإنما النصر والتحرير يأتي بالثبات على المبدأ فكرة وطريقة والصبر على الأذى الذي يلحق الثابتين المتمسكين به وتعنت أعداء الدعوة وطغيانهم وجبروتهم.

ومن أكثر المواقف تهاوناً في المبدأ وهوناً وذلة من الأطراف المحسوبة على الإسلام هو الموقف الذي نقلته جريدة القدس العربي في مقال صادر يوم 6 يونيو/ حزيران 2010 عن إسماعيل هنية يتضمن عرضا ب"استعداد حركة حماس الفوري لتطبيق ما تسميه ‘بالنموذج التركي’ من الإسلام السياسي مع استعدادها للالتزام العلني بأي إتفاق دولي يقارب بين تسوية سياسية لقطاع غزة مماثلة للتسوية الدولية التي انتهى إليها الخلاف حول جزيرة قبرص." وأضاف المقال "تبدو حركة حماس مهتمة بتقديم ادلة وبراهين على أنها مستعدة لتطبيق حكم إسلامي راشد ومقبول في قطاع غزة مستلهمة الحكم الإسلامي في تركيا المعاصرة وتلمح حماس لانها حصلت على ضمانات مساعدة في الجانب الفني والمهني والإداري من تركيا.".

وهكذا، بعد الإنبطاح الفتحاوي وتحول جمع قدامى المناضلين وحاملي السلاح إلى جنب السماسرة المفلسين، تتخلى حركة "المقاومة" المحسوبة على الإسلام عن مقاومتها وعن مبادئها الإسلامية، وتقدم على إلتهام الطعم الأمريكي بيد تركية عن وعي تام بماهيته وهي من آخر ورقات التوت التي تكشف سوأة القيادة السياسية لحماس وانبطاحها الغير مشروط لتحقيق مطالب ومصالح على حساب القناعات والمباديء، بل لو كان إنبطاحاً من أجل مصالح ومطالب لأهل غزة أو فلسطين لكان في الأمر هنة ولكنه إنبطاح غير مشروط سيراً في مخطط مرسوم ومفضوح للجميع. وما دامت مصالح ومطالب، فلا مانع إذاك أن تكون متبادلة! وهو بالتدقيق ما تريده الإدارة الأمريكية. وحسرة، على من باع على علم، آخرته بدنيا غيره.

هذا الأنموذج التركي الذي يتوسل به إسماعيل هنية لكيان يهود الكافر الحربي ولأمريكا الكافرة الحربية انما هو انموذج علماني يكفر بالإسلام جملة وتفصيلاً كنظام للحياة. وهو أنموذج، بعدما أتمت الإدارة الأمريكية انضاجه، تسعى حثيثاً في تطبيقه وفق الوضع السياسي لكل بلد. فبصفة عامة، تقوم استراتيجيا السياسة الأمريكية للمنطقة عموماً على حالتين: الحالة رقم ألف: هي دعم الأنظمة الحالية وترميمها وترميم صورتها خارجياً ومحلياً من أجل ادامة ركوبها رقاب الناس ورهن الأمة ومقدراتها وإمكاناتها لدى الكافر المحتل. وإذا استحالت الحالة الأولى، فإن الحالة رقم باء: هي الأنموذج التركي وما يسمونه "الإسلام المعتدل" والإسلام منه براء. فالذي تغير في النظام التركي من الملعون أتاتورك الذي وضعه بمعونة الإنجليز على أنقاض الخلافة الإسلامية إلى اردوغان يساوي صفراً عدى الوجوه الذي تمثله.

أي جهل بالأنموذج التركي هذا الذي يجعل إسماعيل هنية يعتبره أنموذجاً ملهماً للحكم الإسلامي الرشيد -بغض النظر مؤقتاً عن مضاف "المقبول"-؟ انما "الأنموذج الأردوغاني" -كما يسميه هنية-، هو تبييض للوجه الكالح للأنموذج التركي الأتاتوركي العلماني الكافر، فإلى اليوم يعتبر الكافر كمال أتاتورك هو أب الشعب وصنمه على مكاتب اردوغان وغول وعلى كل مكاتب الإدارات الرسمية، وإلى الآن يلفظ الإسلام من الإدارة العامة لشؤون الناس في تركيا لفظاً مهيناً،… هل هذا هو أنموذج حكمكم "الراشد" بالإسلام يا إسماعيل هنية؟ ولكن كما يقال فإن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن يهن، يسهل الهوان عليه، ومن دخل في مطب المطلبية، وأخلد إلى الأرض، وأهمل مبدأه وتجاهل ما يمليه عليه، فإنه من السهل تحييده.

إن البديل الإسلامي يقوم على مباديء وأفكار كلها من الإسلام ولا يحل لمسلم الإحتكام لمباديء وأفكار غيرها " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً" النساء 60. أما أنظمة الكفر فمهما قنعت وجوهها وإستدهنت بالإسلام إسماً دون المضمون فإنها تبقى أنظمة كفر. فهل يحتاج أحد من الناس إلى التدليل على علمانية الدولة التركية، أم العلمانية أصبحت هي أنموذج الحكم الإسلامي الراشد؟ ثم هل يحتاج أحد من الناس إلى التدليل على دور إسلاميي تركيا "المعتدلين" في حرب الأفكار، الحرب على الإسلام كنظام للحياة بإعتبارهم المثال النموذجي ثم عرابي البديل الإستراتيجي الأمريكي للمنطقة المسمى زوراً وتضليلاً: "الإسلام المعتدل"؟ أم هل يجهل أحد من الناس التحالف الإستراتيجي بين تركيا وكيان يهود المسخ؟ فهذا التحالف ليس فتحاً للسفارات وحسب وإنما هو تحالف عسكري وإقتصادي وعسكري وسياسي. وهل يجهل أحد من الناس أن هؤلاء "الإسلاميين المعتدلين" يحكمون دولة عضو في الحلف الأطلسي، الذي يقتل المسلمين كالحشرات في باكستان وأفغانستان، بل هذه الدولة في مقدمة الدول القاتلة المحاربة للمسلمين؟

ولكن الكثير من المخلصين يتجاهلون كل حاضر وماضي النظام التركي ورموزه وتحالفاته وجرائمه ودوره في حرب الأفكار على الإسلام، ويعمدون إلى تمجيده، بل وتمجيد "الأنموذج" لإرساله مساعدات. بل أدهى، فإن ما تطرحه حماس عبر تركيا على كيان يهود وأمريكا هو إبتلاع للطعم الأمريكي ويعتبر نجاحاً أمريكيا إلى حد بعيد في الإنحراف بحركة حماس. وقد تأتى هذا النجاح الأمريكي من خلال تحريك دميتها اردوغان ومن خلال الدور المسند للطرف التركي من السياسة الأمريكية للمنطقة عموماً. ولكن هل يكفي أن تقتنع أمريكا بعرض حماس حتى يتم لحماس ما تطرح من التنازلات؟ طبعاً، لا. وطبعاً، حماس تدرك هذا. فإرادة أمريكا فيما تعلق بالقضية الفلسطينية انما هو رهن إرادة كيان يهود الذي يريد تغويل حتى دولة أتاتورك أكبر حليف له في المنطقة وإظهار إنحيازها من تحييدها كوسيط. ويفهم من خلال ذلك مسبقاً موقف كيان يهود من مقترح حماس. فكيان يهود في موقف المتعجرف المعربد على كامل المنطقة، من المستحيل أن يقبل بإقتراح -أياً كان هذا الإقتراح- من مغلوب مقهور، يتنازل. لأنهم يدركون أن هذا المقهور إن تنازل عن موقف فهو مستعد أن يتنازل في النهاية عن كل المواقف، ويدركون أن من كانت قضيته قضية مطلبية، يسهل احتواؤه في النهاية. وإمعاناً في إستحمار الناس يتم إعتماد كلام مشفر من مثل كلمة "مقبول" التي عطفت على "حكم إسلامي راشد" التي عرضها إسماعيل هنية، بحثاً عن إرضاء أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وركوناً لهم وقد قال جل في علاه: "وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً -73- وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً -74- إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً -75-" الإسراء. وتلك خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين وللمجاهدين ولدماء الشهداء والمظلومين وكل ما هو شريف، فكلمة "مقبول" التي عطفت على "حكم إسلامي راشد"، نسأل هنية ما مراده منها إن لم يرد بها القول بأنه "مقبول" من طرف كيان يهود وأمريكا خاصة، واللجنة الرباعية ومجلس الأمن وكل ما هو كفر عامة؟

وبعد استقرائنا لمواقف المخلصين مما حصل لأسطول المساعدات لغزة نستخلص النقاط التالية:
أولاً: لقد دأب الكفار وأعوانهم تدجين أي حركة مطلبية -تقام على المطالب ومبدأ النقابات "خذ وطالب"- ذلك لأن القضية عندهم هي قضية ضياع مصالح وأراضي وحقوق، بدل أن تكون قضية مبدئية شرعية. وكذلك يسعى النظام التركي في الإتيان على ما تبقى من المباديء وتحويل القضية -مهما كانت خطورتها- من قضية مبدئية إلى قضية مطلبية تتناول -ولا تحل- في أروقة الأمم المتحدة.
ثانياً: الدور التركي مخطط له بعناية، فمنذ مرحلة ما بعد غزو العراق، كانت تجربة "الإسلام المعدل" الذي يتولى كبره ساسة تركيا الجدد المحسوبين على الاسلاميين في أكبر دولة علمانية تعادي الإسلام كمبدأٍ للحياة وتحارب حملته، وتتحالف في حرب الأفكار مع أعداء الأمة وأعداء الإسلام لطمسه، كانت تلك التجربة على المحك، ويصير منذ أكثر من سنتين إلى اعطائها الدور الرئيسيي في السياسة الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة وللبلاد الإسلامية عموماً.
ثالثاً: تعطش الأمة إلى موقف عز من أي كان مأتاه -ولا تهتم بحامله-. تعطشها إلى موقف، لا نقول موقف عدل، ولكن فقط يشير إلى غبنها وقهرها. ومهما كانت انتماءات حاملي هذه المواقف، وإن كانوا كفاراً، فإن مشاعر الأمة تستعر لمواقفهم وتحملهم فوق الرؤوس، وهي مستعدة أن تسلم لهم خطامها. وهذا أمر خطير، لأن التصور الذي لدى الناس عن قضايانا أصبح من فرط الغبن والقهر، تصوراً لمصالح وأراضي وحقوق، كما قلنا، بدل أن يكون تصوراً مبدئياً شرعياً.

هذه العناصر مجتمعة توشك أن ترهن الأمة لعشريات من السنين الإضافية لدى الكفار وأعوانهم، إن لم يتجاوز الناس المظهر الخادع للنظام التركي حتى يدركوا خطر دوره في المنطقة على الإسلام والمسلمين.

فيا أيها المخلصون،
كونوا مؤمنين، و"لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين". فهل يمكن أن ينطلي عليكم دور تركيا المفضوح في البحث عن تهدئة المنطقة من أجل فرض الأمر الواقع سعياً للتمكين للسياسة الأمريكية وإستدامتها من خلال التمكين ل"الإسلام المعدل"، "المديرايت" كما يسميهم الأمريكيون؟ هل يمكن أن ينطلي عليكم هذا الدور التركي الخطير وقد لدغتم من قبل، من طرف العديد من العملاء الذين إستدهنوا بآمال الناس ليخيبوها؟

فمهلاً أيها المتعطشون إلى نفس من عز، قد عز وطال في الذل انتظاره، مهلاً أيها المتلهفون إلى قبس من نور قد طال لطبقات الدهماء اختراقه، كونوا فقط من الصابرين الثابتين على المبدأ. يقول الله جل في علاه "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ".

خالد زروان


قيم الغرب كخيار في مواجهة أفكار الإسلام

30 مارس 2010

قيم الغرب كخيار في مواجهة أفكار الإسلام

إن "حرب الأفكار" ضد الإسلام كمبدأٍ ونظام للحياة والتي أفصح الغرب بقيادة أمريكا عنها منذ عشريات من الزمن عن طريق زعمائها ومفكريها، لم يكن لمبدأٍ مهتريء قد أسس على جفا جرف هار، الذي هو الحل الوسط، أن يقوم بها ذاتياً. فلقد سارت الرأسمالية  بقيادة أمريكا، بسبب العجز الفكري الذاتي، في احتوائها لصعود الإسلام عن طريق الاستباق السياسي- العسكري، ثم تراأى عجز ذلك الخيار خصوصاً بعد إحتلال أفغانستان ثم العراق عسكرياً، فتم تطوير خيارات جديدة أهمها "حرب القيم". فما الفرق بين "حرب الأفكار" التي حسمت بخسارة فادحة للرأسمالية أمام أفكار الإسلام، والخيار الجديد الذي هو "حرب القيم"؟

إن المبدأ الرأسمالي قد بني على عقيدة الحل الوسط بين الكنيسة والإقطاع. فهو لم يكن نتيجة حسم عقلي في اسئلة العقدة الكبرى كما حسم الإسلام بطريقة عقلية. وإنما كان نتيجة للإلتواء أيضاً على ذلك البحث العقلي وذلك بتجاهل أي دور للخالق في الحياة -رغم إعترافه به- فصلاً للصراع بين الكنيسة والإقطاع. فالمبدأ الرأسمالي يقول إن الخالق قد خلق ولكنه لا يدبر شؤون من خلق. ولا يهمه الآخرة بل ما يهمه هو الدنيا فقط. وليس له أي صلة بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها وإنما يعيش على هواه ويسعد بتحصيل أكبر قسط من المتع الجسدية.

فالمبدأ الرأسمالي هو مبدأ اللامبدا. ليس له في حرب الأفكار والمبادئ رصيد. وأسلوبه الوحيد هو الإلتواء على الأفكار وإجتناب مواجهتها واجتناب محاولة حلها عقلياً، فالحلول في المبدأ الرأسمالي مبنية على أساس مهترئ لا يقوى على الصمود عقلياً أمام حلول الإسلام المبنية على عقيدة عقلية. واللافت أن حرب المبادئ والأفكار قد حسمت ضد الرأسمالية بدون المسلمين. فقد كان صراعاً بلاعب واحد يتصارع فيه اللاعب الرأسمالي فقط مع ما يتوصل إليه عقله من عجز للرأسمالية في معالجة مشاكل الواقع مقابل ما يجد لنفس تلك المشاكل من حلول في الإسلام.

كذلك فإن المبدأ الرأسمالي هو المبدأ اللاأخلاقي، تعريفاً.

وقد ظهرت منذ عشريات مضت في كبرى دول الغرب وفي مقدمتها أمريكا، مدارس التواصل التي تدعو إلى "خلقنة" المبدأ اللاأخلاقي في الأعمال والعائلة وعلى مستوى الفرد. وتلاقي تلك المدارس نجاحاً متصاعداً في المجتمعات الرأسمالية خصوصاً الغربية. وإنتهت في الإقتصاد إلى ماهو معلوم من الأزمة الأخلاقية العميقة التي تودي بالمبدإ الرأسمالي حالياً إلى الإنهيار الفعلي والشامل. وقد شكلت خلقنة المبدأ اللاأخلاقي أهم المعالجات المتخذة إبان الأزمة الإقتصادية الأخيرة، وقد تزعمها ساركوزي ثم اوباما وتم تعميمها، بتدخل الدولة في تنظيم إقتصاد السوق، وهو ما يضرب في الصميم الركائز الفكرية للمبدأ الرأسمالي، ثم بتطعيم الإقتصاد الرأسمالي بمعالجات إسلامية.  وبرهن خيار الخلقنة خصوصاً، بما لا يدعو مجالاً للشك أن الأزمة "الإقتصادية" انما هي أزمة مبدئية في حقيقتها وليست فقط أزمة إقتصادية دورية.

وقد أخذ صراع الغرب مع الإسلام بسبب هذا الفشل الفكري المبدئي للرأسمالية منحى آخر إتجه إلى "حرب القيم" تبلورت ملامحها خصوصاً بعد إحتلال أفغانستان والعراق.

والمشاهد أن الرأسمالية تخوض حرباً شاملة على مبدإ لا دولة له ولا نظام ولا جيوش ولا وسائل إعلام ولا معارف متقدمة في التواصل والإجتماع ولا إقتصاد ولا سياسة. مادياً، لم يعد للإسلام اليوم بعد زوال بيضته(1) دولة الخلافة إلا قلوب أفراد تؤمن به. أفراد مستضعفون من أمة قد استحوذ على مقدراتها وثرواتها العدو عن طريق أبناء الجلدة المنخرطين الفاعلين في الحرب الشاملة. ولما كان الأمر كذلك فمن البديهي أن تكون تلك القلوب هي مركز استهداف العدو ب"حرب القيم". فخيار حرب القيم يقضي بإستهداف حامل المبدأ، أي المقومات الذاتية للإنسان حامل المبدأ، لا المبدأ ذاته بما فيه من أفكار ونظم. ف "حرب القيم" تهدف إلى غرس القيم الغربية داخل كل فرد مسلم وجعله يقيس بها وعليها كل ما يحوطه وينتج عن ذلك غرس أفكار المبدأ الرأسمالي ذاتياً وتبني معالجاته تلقائياً.

وحتى نفهم الفارق بين "حرب الأفكار" و"حرب القيم" لا بد من الوقوف على الألفاظ ومعانيها الإصطلاحية.

فالمعلوم أن المبدأ هو ما يصقل الشخصية -عقلية ونفسية-. وهي قوانين كلية ثابتة تنبع من خارج الإنسان.

وبالنسبة للمسلمين فإن المبدأ هو العقيدة الإسلامية والنظام المنبثق عنها أو المبني عليها. وهو نابع من خارج الإنسان حقيقة بإعتباره وحي منزل من خالق الكون والإنسان والحياة.

أما غير الإسلام من المبادئ -وهما الرأسمالية والشيوعية- فإن المبدأ صادر عن الإنسان -مفكرون وفلاسفة- يتخذه من آمن به مبدأً له بإعتباره من خارجه.

أما القيمة فهي الإنطباع الذاتي والغير موضوعي الذي ينبع من داخل الإنسان عن الشيء. وهي غير ثابتة وتختلف بين الأشخاص والشعوب وتختلف في الأزمان وفقاً لتطور الواقع ومنه العقل والعملية العقلية.

ف"حرب القيم" القائمة، ليس للأفكار فيها كبير دور بإعتبار العجز الفكري للمبدإ الرأسمالي، ولكنها تعتمد أساساً على الوسائل والأساليب الجديدة كالإعلام بشتى صنوفه والمعارف في شتى المجالات الإنسانية والإجتماعية ومنها معارف التواصل -خطاب الناس من أجل تحقيق هدف محدد مسبقاً، كالتأثير عليهم وكسب قلوبهم -دون عقولهم-، ودفعهم إلى تبني قيم غير موضوعية تنتهي بهم إلى يبني الحلول التي انتجتها ،… – من أجل التوصل في النهاية إلى فرض القيم الغربية بدءاً ليتوصل من خلال ذلك إلى تبني المسلمين لتلك القيم بغض النظر عن المبادئ والأفكار التي انبثقت منها أو بنيت عليها، وذلك قطعاً للطريق أمام الأفكار النابعة من العقيدة العقلية الصحيحة ألا وهي العقيدة الإسلامية. ثم تكون المعالجات الرأسمالية -الفاشلة- تلقائية ونابعة من دواخل الناس الذين قد تبنوا من قبل قيماً غربية. فلا يتوصل في النتيجة، إلى فرض المبدإ الراسمالي من خلال الإقتناع الفكري به وموافقته للفطرة -كما هو حال الإسلام- وإنما من خلال الإلتواء على الأفكار والمبادئ وإستهداف القيم بقلبها. ولكل ذي عقل، يقول الله جل وعلا:

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ -109- لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ -110- } التوبة

وفي خضم هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في كل ركن من أركان كل بيت مسلم وفي كل زاوية من زواياه، نلتفت حولنا لنتساءل عن مدى وعي الأمة على ما يحاك بها من خطط شيطانية قد رسمها ويشرف عليها اخصائيون محنكون ومراكز بحث ودراسات في فنون التواصل والمعارف الإعلامية والإنسانية ويباشر تنفيذها بنو جلدتنا ومؤسسات تنتسب إلى امتنا، وحركات تتخذ من الإسلام قناعاً، خداعاً من أجل جعل كل مسلم في بيته بل في تفكيره وعلاقته بنفسه وبمن يحيط به وحتى علاقته بخالقه وبآخرته أن يعتمد القيم الغربية.

وقد سخرت الإدارة الأمريكية كل الإمكانات المتاحة من أجل خوض "حرب القيم" المكلفة. فلا زلنا نذكر ميزانية ال 21 مليار دولار التي سخرتها الإدارة الأمريكية في 2005 على سنوات لوسائل الإعلام العربية ومؤسسات البحث. ويحيط أصحاب القرار الغربيون أنفسهم بخبراء وأفراد من أبناء الجلدة، عملهم طرق سبل إنجاح تبني التيار الرئيسي للمسلمين لقيم الغرب المخرجة في ثوب إسلامي، وقد اطلقوا على تلك المنظومة القيمية الجديدة إسم "الإسلام المعتدل"، وانصافاً لهذه التسمية يمكن إطلاق "الإسلام المعدل" عليها.

ومن أهم حلقات الوصل بين الإدارة الأمريكية و"الإسلام المعدل" حركات ومؤسسات وأفراد، نجد ما يسمى بمؤسسة البيس كوربس الفدرالية الأمريكية والتي تطور علاقات إجتماعية وإقتصادية وإنسانية مع مؤسسات وحركات سياسية وأفراد من البلاد الإسلامية ومن خلالها يتم توجيه الرأي العام بصفة غير مباشرة. ومن البيس كوربس نجد ال-"فراندس أوف…" ولكل بلد من بلاد المسلمين نجد مجموعة "فراندس أوف …" تهتم به. ك "فراندس أوف اجيبت" -أصدقاء مصر-، أو المغرب أو الجزائر…

كما نجد من أهم حلقات الوصل بين الأدارة الأمريكية و"الإسلام المعدل" حركات ومؤسسات وأفراد، شخصيات من مثل جون اسبوزيتو وهو أمريكي أستاذ في جامعة جورج تاون، عرف بتسويقه لخيار الحوار مع الإخوان المسلمين لدى الإدارة الأمريكية من أجل قطع الطريق أمام الخلافة أو ما يسمونه "الإسلام المتطرف"، وذلك قبل احداث سبتمبر 2001, وإنتكس سهمه بعد  أحداث سبتمبر، ولكنه يعود إلى دائرة الضوء مع إدارة اوباما. يرأس جون اسبوزيتو مركز الوليد بن طلال للحوار المسيحي الإسلامي بجامعة جورج تاون الأمريكية وهو صاحب مبادرة "كلمة سواء" ورئيسها، وهي مبادرة يشارك فيها أغلب الشيوخ وعلماء البلاط المعروفين ومنهم مثلاً مؤسسة آل البيت الملكية الأردنية أو شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب. ومن الأعمال التي تضطلع بها مؤسسة آل البيت في إطار "كلمة سواء" مشروع "المشروع الكبير لتفسير القرآن" وهو أمر مخيف مريب إن جهل الناس دور هذه المؤسسة في "حرب القيم".

كما نجد من أبناء الجلدة، نادية مجاهد مستشارة الرئيس الأمريكي الحالي لشؤون المسلمين التي من خلال دورها يتم الحوار الغير مباشر بين المسلمين في أمريكا -والتي يراهن تقرير راند على جعلهم السهم الحاسم في "حرب القيم"- وحركات "الإسلام المعدل" في البلاد الإسلامية.

وفي نفس السياق، تتكفل الأنظمة الجاثمة على صدور المسلمين بصفتهم وكلاء للكافر الحربي بمهمة الحفاظ على قيم الغرب وإستهجان القيم التي تشكلت من خلال وجهة نظر الإسلام في كل نواحي الحياة. فتجد مدير المدرسة أو عميد الجامعة يحرم على الفتاة لبس الحجاب ويستهجنه ويسخر منه ويتهكم على مرتديته ولا يدري أحد للحجاب ذنب إلا لأنه تشريع من رب العالمين. وتجد الشرطي الذي لا يتردد في إحالة فتاة ترتدي الحجاب إلى التحقيق -إن لم يختطفها- ولا يرى مانعاً من ملامستها وتهديدها بالإغتصاب، لا لشيء إلا لأنها تتعفف وتطيع رب العالمين في لباسها. ونرى أن مغنيات فاجرات -في نظر الإسلام- يفسح لهن مجال ساعات على التلفاز الوحيد للنظام من أجل أن تحكي لشعب بعشرات الملايين عن ماكياجها وأظافرها وسهراتها وصديقها وكلبها. ونرى مسلسلات تصور المتحجبات على انهن متخلفات، ونرى كليبات تصور أشباه رجال مخنثون، يتشبهون بالمرأة في كل سلوكاتهم، ونرى الشبكات الإجتماعية على الانترنات ومن كل لون ونوع من الفساد، ونجد طبقة من الفنانين والمثقفين الذين ارتبطت مصائرهم بمصائر الأنظمة العميلة يدفعون إلى تبني قيم الغرب، من تحرر جنسي ونبذ للزواج، ونجد منهم من يدفع بكل إنفتاح إلى الإنبطاح أمام اليهود والكافر الغازي عموماً… كل ذلك، لا علاقة مباشرة له بحرب الأفكار وإنما الهدف منه هو دفع المسلم والمسلمة تحت الطرق الإعلامي الصاخب، وقمع كل مظاهر الإسلام وتشجيع مظاهر التغريب من طرف وكلاء الكافر الحربي، إلى تقبل تقييم الغرب لكل ما يمت للإسلام بصلة بأنه صنو التخلف وعدو العلم والثقافة والتقدم والنهضة والرقي.

ورغم هذا الخطر الماحق الذي يتهدد امتنا من خلال "حرب القيم"، فإننا نجد القليل من المخلصين الذين وعوا عليه. وأقل منهم من يحاول بوسائل وأساليب لا ترقى إلى مستوى التحدي القائم عمل شيء.

وما نرجو أن يعي عليه المخلصون وفي مقدمتهم كتلة ككتلة حزب التحرير مثلاً وهي تتبنى رؤية مبلورة واضحة ونقية للإسلام وتتصدر حرب الأفكار عن الإسلام أن كسب "معركة القيم" يتطلب إتقان معارف في غاية الأهمية تمهد الطريق أمام الوسائل والأساليب المناسبة. ف"حرب القيم" لا تتطلب قوة أفكار وحسب، لأن العدو ليس له في حرب الأفكار رصيد وقد خسرها فعلاً، وهو يتفاداها أينما لقيها ويلتف عليها بإستهداف حامل الأفكار لذاته من خلال الطرق الإعلامي الصاخب لقيم الغرب، ومن خلال معارف أخرى في ميادين خطيرة كميدان التواصل مع البشر وهو ما يحقق فيه العدو نجاحاً من خلال تجنيد الكثير من طاقات الأمة إلى جانبه من خلال مبادرات ومؤتمرات، جوائز خادعة وتوظيفهم في سبيل تحقيق اهدافه.

ورغم ذلك فإن المتوكلين على الله لا ينبغي أن يزيد فيهم طغيان العدو وتشبثه بالباطل إلا استبسالاً وتشبثاً بالحق والبحث الحثيث عما يبريء الذمة من اصناف الوسائل والأساليب وصنوف المعارف الموصلة إليها.

{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ -17- لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ -18-} الرعد

ولا يفوت الناظر إلى الساحة الدولية أن الإسلام قادم لا محالة، ولن يوقف قدومه خيانة عميل ولا كيد الأعداء والمتآمرين، وهو وعد رب العالمين.

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} النور 55.

خالد زروان


“الإسلام المعتدل” بقلم: ياسين بن علي

25 مارس 2010

  بسم الله الرّحمن الرحيم

"الإسلام المعتدل"

الكاتب: ياسين بن علي

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

اتخذت أمريكا – بعد سقوط الاشتراكية المتمثلة في الاتحاد السوفيتي – من الإسلام عدوا لها. لذلك تعالت الصيحات في الغرب المنذرة بخطر هذا الدين، وخطر عودته إلى الحكم والحياة والدولة والمجتمع، خصوصا وقد بدأت الأمّة الإسلامية تتحسّس طريق نهضتها، وتدرك أن لا خلاص لها وللعالم إلا بعودة الإسلام وتطبيقه.

وبما أنّ الغرب، وعلى رأسه أمريكا، يدرك مدى هشاشة بنية قاعدته الفكرية الرأسمالية، وعدم قدرته على صراع الإسلام صراعا فكريا، فقد اعتمد خطة: أفضل طرق الدفاع الهجوم. فطفق يكيل الاتهّام تلو الآخر للإسلام والمسلمين، مستخدما لفظ الأصولية، والإرهاب، والراديكالية والتطرّف، حريصا – كما قيل – " كلّ الحرص على إظهار الأصولية كأكثر أشكال التعبير عن الإسلام وضوحا.. فكلّ ما يفرزه الإسلام سيكون في مواجهة الغرب". وقد وصفت المستشرقة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو هذا الوضع بدقة فقالت: "الغرب كان وما يزال بحاجة إلى (اختراع) عدو حتى يضمن لنفسه خطاً دفاعياً ويظل مترفعاً ومتعالياً على ما تبقى من العالم لسنين طويلة أو حتى لعقود، كان هذا العدو متمثلاً بالشيوعية وبالمعسكر الشرقي، وعندما انهارت الشيوعية برز لدى الغرب التساؤل التالي: من سيكون عدونا المقبل؟!. وإذا به يسحب من خزانة تراكم عليها غبار الزمن صورة العدو التاريخي القديم المتمثل بالعالم الإسلامي. لكن الغرب كان أيضاً بحاجة إلى وسيلة لإقناع مواطنيه بمصداقية هذا الاكتشاف (الجديد والقديم)، لذا كان طبيعياً أن يحاول ترسيخ ملامح (البعبع) من خلال تقديم (الأصولية الإسلامية) في صورة (العدو العنيف)…".(1)

لذلك كثر الحديث عن الأصولية الإسلامية، وعن الإرهاب الإسلامي، وتعدّدت المقولات المنذرة بهذا الخطر.

قال شمعون بيرس:" لقد أصبحت الأصولية الخطر الأعظم في عصر ما بعد انهيار الشيوعية."  وقال جان فرنسوا روفيل في كتابه "الإنعاش الديمقراطي": " إنّ الإسلام هو مصدر تسعة أعشار الإرهاب العالمي الرسمي…".(2) وقال أموس بيرلموتر AMOS PERLMUTTER – البروفيسور الأمريكي – في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست في 19 /1/1992 : " إنّ الأصولية الإسلامية هي حركة عدوانية وقائمة على الإرهاب والفوضى كالحركات الإرهابية والحركات البلشفية والفاشية والنازية". وقال الرئيس اليهودي الأسبق "هرتسوغ" أمام البرلمان البولندي عام 1992م:" إنّ وباء الأصولية الإسلامية ينتشر بسرعة ولا يمثّل خطرا على الشعب اليهودي فحسب بل وعلى البشرية جمعاء". وقال ويلي كلاس الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي في مقابلة له مع المجلة الألمانية (سودويتشه تسايتونغ): "إن الأصولية الإسلامية تشكل تهديداً للغرب بالقدر الذي كانت تشكله الشيوعية".(3)

وعرّفت موسوعة "سبكتروم" مصطلح الأصولية بقولها: "الأصولية، مصطلح جامع يشير إلى المجموعات الإسلامية المتعددة التي تعتمد الإسلام كسلاح سياسي، وتتطلّع إلى دولة إسلامية. وهذا يعني، قيام نظام الدولة بأكمله على الشريعة الإسلامية…".  

وممّا ساهم في تأكيد الاتّهام بالأصولية والتطرّف والإرهاب، أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001م التي استغلّتها حكومة بوش الابن ونسبتها إلى جماعة إسلامية.

 

إنّ هذه الخطة الغربية القائمة على نعت الإسلام والمسلمين بنعوت مستفزة للرأي العام العالمي، أكسبت الغرب ثلاثة مكاسب مهمّة هي:

أولا:  تحويل وجهة الصراع عند المسلمين من كرّ وهجوم إلى ردّ ودفاع، وإشغالهم بقضايا فرعية وهمية مختلقة عن القضايا الرئيسية المصيرية.

ثانيا: كسب تأييد الرأي العام للشعوب الغربية حول خطر الإسلام السياسي الذي يتهدّد البشرية، وإقناعهم بوجوب محاربته ومحاربة من يدعو إليه بوصفه السياسي. وقد دعمت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 فكرة خطر الإسلام، ومكّنت الغرب من فرصة تاريخية لمحاولة القضاء عليه.

ثالثا:  إيجاد الوسط الصالح والمناخ الملائم لذوي العقلية الواقعية، حتى يبتدعوا إسلاما حديثا منساقا مع الواقع ومبرّرا لوجوده، قوامه الوسطية وشعاره الاعتدال. وقدّ عرّف جون اسبوزيتو (بروفيسور الأديان والعلاقات الدولية في جامعة جورج تاون) الحركات المعتدلة بقوله: "وأعني بالحركات الإسلامية المعتدلة الحركات التي تشارك بالفعل في النظام السياسي في الدول الإسلامية أو التي لديها الاستعداد لهذه المشاركة".

يقول أنطوني ليك مستشار الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون لشؤون الأمن القومي: «إنّ واشنطن تحترم ما قدّمه الإسلام للعالم منذ 1300 عام وتعرض كل تعابير الصداقة لأولئك المؤمنين بالإسلام الذين يلتزمون السلام والتسامح لكننا سنوفر كل مقاومة لمواجهة المتطرفين اللذين يشوهون العقائد الإسلامية ويسعون إلى توسيع نفوذهم بالقوة».(4)

ويقول مارتن أنديك المساعد الخاص للرئيس الأمريكي السابق كلينتون، مدير الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في معرض إعلانه عن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط: «إنّ عقوداً من الإهمال والآمال المحيطة بالمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية غذّت حركات عُنفية تنكرت بأقنعة دينية وبدأت تتحدى الحكومات في أنحاء العالم العربي ما ينطوي على خطر كامن لزعزعة الاستقرار في المنطقة. ينبغي علينا أن لا نبسط تحدياً معقداً تطرحه الينابيع المختلفة الإقليمية والوطنية. ويجب ألاّ نرفض جميع الإصلاحيين الدينيين باعتبارهم متطرفين… ولذا فالتحدي الثالث أمامنا هو أن نساعد شعوب الشرق الأوسط وحكوماتها لمواجهة هذا التهديد الناشئ بالسعي الحثيث إلى السلام من جهة وباحتواء التطرف في أنحاء المنطقة من جهة أخرى وبالتمسك برؤيتنا كبديل للتطور السياسي الديمقراطي والتطور الحر لاقتصاد السوق».(5)

ويقول وارن كريستوفر وزير الخارجية الأمريكية في عهد كلينتون: «إننا نبقى ملتزمين أن تبقى قوى الاعتدال (حركات أو أنظمة) في المنطقة أقوى من قوى التطرف.. وأن الولايات المتحدة وأصدقاءها وحلفاءها سيتخذون الخطوات الضرورية لضمان فشلكم (قوى التطرف)».(6)

ويقول الكاتب والمفكر السياسي دانيال بايبس المعروف بقاعدة: "الإسلام المتطرف هو المشكلة، والإسلام المعتدل هو الحل" ("radical Islam is the problem, moderate Islam is the solution."): "الرئيس بوش لم يتوقف منذ الحادي عشر من سبتمبر عن تكرار أن الإسلام هو "دين سلام" لا صلة له بمشكلة الإرهاب، فهل تؤمن إدارة بوش حقا أن الإسلام هو "دين سلام" لا صلة له بمشكلة الإرهاب؟ توحي مؤشرات عديدة إلى أن فهم الإدارة هو أفضل من ذلك، ولكن عاما بعد عام ظل اتجاه الإدارة كما هو. من الخارج بدا أن الإدارة في حالة من الضلالة الذاتية.

في الواقع كانت الأمور أفضل مما بدت عليه، الأمر الذي دلل عليه دافيد إ. كابلان في دراسة هامة، قائمة على 100 مقابلة وفحص ما يزيد عن عشرة وثائق عن الشئون الداخلية، نشرت في (يو اس نيوز اند ورلد ربورت) أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم. لقد تمت تسوية وحل الخلافات الأولى حول طبيعة العدو- الإرهاب في مقابل الإسلام المتطرف – : يتفق كبار موظفي الإدارة الأمريكية على أن "العدو العقائدي الأكبر هو الصورة المُسَيسة بدرجة كبيرة للإسلام المتطرف وأن واشنطن وحلفائها لا يستطيعون مواجهتها" لأنها تزداد قوة. من أجل محاربة هذه العقيدة، تساند حكومة الولايات المتحدة الآن التفسير غير المتطرف للإسلام. في مقالة بعنوان "القلوب والعقول والدولارات: في جبهة غير مرئية للحرب على الإرهاب أميركا تنفق الملايين لكي تغير صورة الإسلام" نشرت اليوم يفسر كابلان أن واشنطن تدرك أن لها مصلحة أمنية ليس فقط داخل العالم الإسلامي ولكن داخل الإسلام ذاته. ولذلك يجب عليها أن تنشط وتشارك في إعادة تشكيل وصياغة الإسلام كدين. تركز واشنطن على الأسباب الجذرية للإرهاب – ليس الفقر أو السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولكن عقيدة سياسية ضاغطة قاهرة.

كانت الإستراتيجية القومية في محاربة الإرهاب الصادرة عن البيت الأبيض في فبراير 2003 هي وثيقة أساسية في الوصول إلى هذه النتيجة، وكانت الأساس لوثيقة أكثر جرأة وأكثر تفصيلا هي (موسلم وورلد أوتريتش) التي تم الانتهاء منها في منتصف 2004 والتي هي الآن الدليل الرسمي. (يوجد على شبكة المعلومات مناقشة حكومية لهذا الموضوع منذ أغسطس 2004.) تواجه حكومة الولايات المتحدة، بوصفها مؤسسة علمانية غالبية أعضائها من غير المسلمين، الكثير من الصعوبة في أمر هو في أساسه جدل ديني، لذا فهي تلجأ إلى منظمات إسلامية تشاركها نفس الأهداف بما فيها حكومات ومؤسسات وجماعات غير ربحية.

وتختلف أساليب محاربة الإسلام الراديكالي المتطرف ودعم ومؤازرة الإسلام المعتدل من إدارة (وزارة) حكومية إلى أخرى: عمليات سرية في وكالة الاستخبارات الأمريكية، عمليات نفسية في وزارة الدفاع، والدبلوماسية الشعبية في وزارة الخارجية. بغض النظر عن الاسم والطريقة فإن العامل المشترك هو الحث على التطور المسالم المتسامح للإسلام. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يكتب كابلان، فإن حكومة الولايات المتحدة "تقود حملة من الحرب السياسية لا مثيل لها منذ قمة الحرب الباردة." الهدف هو: التأثير ليس فقط في المجتمعات الإسلامية ولكن في الإسلام ذاته… بالرغم من أن رجال السياسة بالولايات المتحدة يقولون أنهم منزعجون من كونهم مضطرين لدخول معركة دينية لاهوتية، فإن العديد منهم يرون أن أميركا لا تستطيع الاستمرار في موقف الحياد بينما المتطرفون والمعتدلون يتقاتلون على مستقبل دين مسيس يزيد عدد أتباعه عن البليون. لقد كانت النتيجة جهداً رائعاً استثنائياً – ومتناميا- للتأثير فيما أطلق عليه موظفي الإدارة الأميركية الإصلاح الإسلامي. فيما يزيد عن عشرين دولة، يكتب كابلان: قامت واشنطن وبهدوء بتمويل برامج إسلامية للراديو والتلفزيون، تدريس مقررات بالمدارس الإسلامية، مؤسسات وجماعات بحث إسلامية، ورشات عمل سياسية، أو أي برامج تدعم الإسلام المعتدل. وتتجه المساعدات الفيدرالية إلى ترميم المساجد والمحافظة على نسخ القرآن التاريخية القديمة وصيانتها، وحتى بناء مدارس إسلامية… وتقوم محطات فردية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية تعمل خارج الوطن بتحركات شجاعة وجديدة. من بينها: ضخ المال من أجل تحييد الأئمة الجهاديين والمعادين للولايات المتحدة وأتباعهم. يفسر لنا الموقف أحد الموظفين الرسميين المتقاعدين حديثا قائلا: "إذا وجدت الملا عمر يفعل هذا في أحد أركان الطريق، فكن أنت الملا برادلي على ركن الطريق الآخر لتقاوم وتفسد ما يفعل،" ويضيف أنه في الحالات الأكثر خطورة يتم إلقاء القبض على الأتباع "واستجوابهم". لقد قام عملاء الاستخبارات بتشييد مواقع جهادية زائفة على شبكة المعلومات وبرصد وسائل الإعلام والأنباء العربية.

إن العديد من إدارات وأجهزة الحكومة الأمريكية تشارك بنشاط في هذه المهمة الإسلامية في 24 دولة إسلامية على الأقل. ويتضمن هذا المشروع: ترميم المساجد التاريخية في مصر وباكستان وتركمستان. في قيرقيزستان ساعد اعتماد مالي قدمته السفارة في ترميم مقام أو مزار صوفي هام. في أوزبكستان أنفقت الأموال في صيانة مخطوطات إسلامية أثرية تشمل 20 نسخة للقرآن يعود بعضها للقرن الحادي عشر. في بنجلاديش تقوم هيئة المعونة الأمريكية بتدريب أئمة المساجد على قضايا التنمية. في مدغشقر تقوم السفارة بتمويل المسابقات الرياضية التي تتم داخل المساجد. ويتم تمويل أيضا وسائل الإعلام الإسلامية بكافة صورها، من ترجمة الكتب إلى محطات الإذاعة والتلفزيون في ستة دول على الأقل. وتمثل المدارس الإسلامية أمرا مقلقا لأنها تدرب الجيل القادم من الجهاديين والإرهابيين، وواشنطن تستعين بالعديد من الأساليب لمقاومة هذا التأثير:

·     في باكستان تمول الولايات المتحدة في تكتم وحذر أطراف ثالثة كي تدرب معلمي المدارس الإسلامية من أجل إضافة مقررات دراسية عملية (الرياضيات، العلوم، والصحة فضلا عن حصص الدراسات الاجتماعية). والآن يتم تنفيذ برنامج "المدرسة النموذجية" الذي سوف يضم في النهاية أكثر من ألف مدرسة.

·     في القرن الأفريقي (وتحدده وزارة الدفاع الأمريكية بحيث يشمل جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان واليمن) يرصد العسكريون الأمريكيون أي مكان يخطط الإسلاميون لإنشاء مدرسة إسلامية به فيبدءون في بناء مدرسة عامة كي تنافسها وبطريقة مباشرة.

·     في أوغندا وقعت السفارة الأمريكية على تمويل بناء ثلاث مدارس للتعليم الأساسي.

ويستشهد كابلان بقول أحد المحللين الأمريكيين المختصين بقضايا الإرهاب "نحن منشغلون بمسألة المدارس الإسلامية". ولكن لا تذهب كل المعونة لأمور إسلامية صريحة. يمول المال الأمريكي تمويلا جزئيا نسخة عربية (لسيزم سترييت) تبث عن طريق أحد الأقمار الصناعية تهتم وتؤكد على الحاجة إلى التسامح الإسلامي.

لقد تضاعفت ثلاث مرات ميزانية هيئة المعونة الأميركية لتصبح أكثر من 21 بليون دولار أمريكي أكثر من نصفها تذهب إلى العالم الإسلامي. بالإضافة إلى برامج التنمية الاقتصادية المعروفة، تكتسب المشاريع السياسية التي تتضمن جماعات إسلامية، مثل التدريب السياسي وتمويل وسائل الإعلام، أهمية وتتصدر قائمة الاهتمامات. لقد ازداد إنفاق وزارة الخارجية على الدبلوماسية الشعبية بما يقارب النصف منذ الحادي عشر من سبتمبر ليصل إلى حوالي ألف وثلاثمائة مليون دولار أمريكي، ويتوقع أن يزيد عن ذلك في المستقبل. تمول هذه الأموال برامج من بينها راديو سوا ومحطة الحرة التليفزيونية وهما يبثان باللغة العربية. وبالرغم من العديد من الشكاوى، يقول كابلان أن هناك علامات على نجاحهما. وتتضمن خطط المستقبل بث الحرة في أوروبا والبث باللغة الفارسية وغيرها من اللغات الهامة في العالم الإسلامي".(7)

ويقول حمدي عبد العزيز : "وعقب أحداث 11/9 حدثت تحولات دراماتيكية فيما يخص تناول الظاهرة وكيفية مواجهتها حيث سيطر الاتجاه (المتحامل) – الذي يربط بين الأصولية والحركة الإسلامية – على وسائل الإعلام ومراكز البحث الداعمة لصناع الاستراتيجيات. وسعى ليس إلى صياغة سياسات جديدة للمواجهة مع الحركة الإسلامية، وإنما إلى القيام بدراسات تبحث عن "تحويل دين عالم بكامله" أو إقامة مراكز بحثية لدعم ما يسمى (الإسلام المعتدل). ومن ذلك التقرير الذي مولته مؤسسة راند للمحافظة الأمريكية وعنوانه: "الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والمصادر والاستراتيجيات" ويدعو إلى خلق صلات وثيقة مع القوى الإسلامية المحبة للغرب مثل الصوفيين والعلمانيين والحداثيين.. ومساعي اليهودي الأميركي المثير للجدل دانيال بايبس لتأسيس معهد إسلامي تحت اسم (مركز التقدم الإسلامي) للدفاع عما يسميه الإسلام المعتدل، ومواجهة التجمعات الإسلامية التي تدافع عما يسميه المقاتلين الإسلاميين".(8)

ويقول سلامة نعمات:  "وتراهن إدارة بوش على أن الإسلام السياسي المعتدل قادر على مواجهة ودحر الإسلام السياسي المتطرف الذي يمثله زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ومساعده أيمن الظواهري، والذي يعتبر المنشق الأردني أبو مصعب الزرقاوي أبرز ممثليه الناشطين في العراق والمنطقة. وترى أن التيارات الإسلامية المعتدلة، متمثلة بحركة «الإخوان المسلمين»، هي إحدى الأدوات التي يمكن استخدامها لضرب التطرف البنلادني المعادي لفكرة الديموقراطية. إذ اعتبر مسؤولون أميركيون في مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع والأمن الوطني أن قرار جماعة «الإخوان» في مصر، و «حماس»، ومعهما السنة في العراق المشاركة في انتخابات ديموقراطية، خلق شرخاً بينها وبين تنظيم «القاعدة» الذي «كفر» الانتخابات الديموقراطية على أنها «بدعة» غربية يرفضها الإسلام".(9)

 

إذا، هكذا أوجد الغرب الوسط السياسي والفكري المناسب لظهور فكرة الوسطية والاعتدال. فهل يستفيق أصحاب هذه الدعوة من غفوتهم، أم أنهم سيواصلون السير في هذا الدرب الذي عبّده الغرب لهم؟ وهل سيدرك أصحاب هذه الدعوة أنّ دعوتهم، رغم حسن نية بعضهم، لا تخدم أمتهم بقدر ما تخدم أعداء أمتهم، أم لا حياة لمن تنادي؟

 

17 ربيع الثاني 1428هـ

 
_____________________________
(1) نقلا عن مجلة الوسط، رقم 101 ص60
(2) نقلا عن الوعي، نيسان 1992 عدد 60

(3) نقلا عن مجلة البلاد  العدد 222 شباط 1995 ص32

(4) نقلا عن مجلة الفكر الجديد عدد 8 السنة 2  مارس 1994م / شوال 1414هـ

(5) المصدر نفسه

(6) المصدر نفسه
(7) نقلا عن مقال: أخيرا واشنطن تتحمس لمواجهة الإسلام المتطرف، بقلم دانيال بايبس، (FrontPageMagazine.com)،
25 أبريل 2005م. العنوان الأصلي: (Washington Finally Gets It on Radical Islam).

(8) الاتجاهات الغربية نحو الحركة الإسلامية، حمدي عبد العزيز، ميدل ايست اونلاين 1082004م.

(9) كيف تتعاطى الإدارة الأميركية مع وصول أحزاب أصولية إلى الحكم بوسائل ديموقراطية؟ … فوز الإسلاميين في الانتخابات يقلق واشنطن … لكنها فرصة لاختبار معنى وصولهم إلى الحكم– سلامة نعمات،  الحياة – 19/02/06


القرآن في مشروع الأمريكان خالد زروان

9 مارس 2010
القرآن في مشروع الأمريكان
خالد زروان

لقد تعهد العليم الخبير الجبار المتكبر سبحانه بحفظ الوحي المتلو الذي أسماه قرآناً والذي أنزله على رسوله الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وهو القرآن المتلو الذين بين أيدينا اليوم وقد تواتر حفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قرائنا وحفاظنا اليوم.

هذا فقط، لا شيء غيره، لا يترك مجالاً لأي كلام غيره.
أما القرآن المكتوب، وقد كتبه كتاب الرسول الأمين على ألواح وعظام وجلود، وكان جبريل عليه السلام يقريء القرآن ويراجعه للرسول صلى الله عليه وسلم كل رمضان وهو نفس القرآن الذي كان الكثير من الصحابة يحفظونه على ظهر قلب.
ثم لما توسع المسلمون في الفتوحات وخشي من تلحين غير العرب أو العرب الغير قرشيين، تم جمع القرآن في مصحف عن طريق عثمان ذو النورين والصحابة الكرام وتوضيح رسمه حتى لا يلحن ثم تم تعميمه على أمصار المسلمين وحرق وإتلاف ما دونه من النسخ. وما دونه من النسخ لم يجمعه عثمان وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الأحقون بالثقة والإتباع وهم الذين مدحهم الله من فوق سبع سماوات. وما دونه من النسخ هي التي دفعت عثمان رضي الله عنه لجمع القرآن في مصحف ثم تعميمه لما علمه عنها من تلحينات بسيطة، ولكنه لم يرتض أن يقرأ القرآن بغير لغة عرب قريش التي نزل بها إتماماً وإكمالاً لتبليغ الامانة كما هي، حفظاً لكلام الله من أي تأويل أو تحريف قد ينشأ من خلال تحوير اللحن في اللغة.
ولا إختلاف في آيات القرآن. فما بين أيدينا من الآيات قد أجمع عليها الصحابة رضي الله عنهم وتواترت كما نعلمها. وقول الواحد المخالف لإجماع الصحابة في آية من الآيات المنسوخة مثلاً لا إعتبار له. لأن الإعتبار الشرعي والعقلي هو لإجماعهم ومدح الله كان لهم مجتمعين لا آحاداً، وعقلاً نقل الخبر يكون أكثر دقة عن طريق جماعة منه عن طريق فرد.
فلا يوجد، ولا يجب أن يوجد إلى يوم القيامة قرآناً متلواً غير القرآن الذي نعلمه اليوم. ولا يوجد، ولا يجب أن يوجد إلى يوم القيامة رسماً للقرآن غير الرسم الذي رسم به عثمان رضي الله عنه القرآن وأقره الصحابة بالإجماع.
وهذا من مقتضيات الإيمان.
أما ما يجري اليوم في إطار الحرب الثقافية ويستهدف ذلك القرآن المتواتر ل-14 قرناً هو نشر نسخ غير مدققة الهدف منها إثارة البلبلة في فهم آية من آيات القرآن. فالرسم هام، وكسر أو فتحة أو ألف تبدل المعنى وتقلبه مائة وثمانين درجة. ويمر هذا الأمر بدون إثارة أدنى شبهة حول الجهة. فالمخرج دائماً أنه خطأ مطبعي.
وهناك الكثير من المواقع التي تثير الشبهة تعرض القرآن بعشرات اللغات بصيغتي بي دي أف ووورد وهي مؤسسات موجودة في الغرب وخصوصاً أمريكا وأنجلترا. ولكن المسلمين المتعطشين دائماً لنسخ القرآن -حتى وإن لم يقرأوه- يتداولون تلك النسخ المشبوهة من أجل جمالها. والخطر في ذلك هو إيجاد أرضية على مستوى الشعوب تختلف فيما لديها من نسخ تدعي أنها القرآن. وما يلي ذلك من إختلاف في الأفهام الغير شرعية. والأصل أمام اشكال كهذا هو العمل بما عمل به عثمان رضي الله عنه وهو إتلاف كل النسخ التي لم يحقق فيها اليوم محققو مصحف عثمان والذي يصدر من المدينة المنورة.
كذلك فإن من أعظم الأخطار التي تحيق بالمسلمين جراء التلاعب بنسخ القرآن أو معانيه  لأن القرآن محفوظ بقدرة الله- هي عمل مؤسسات تظهر بمظهر المؤسسات العلمية الشرعية وهي في حقيقتها معاول هدم في صف المشروع الأمريكي بإضفاء أفهام وتعاريف الأمريكيين الفكرية على تفسير القرآن. ومن أخطر تلك المؤسسات هي "مؤسسة آل البيت الملكية" الأردنية (http://www.aalalbayt.org) المرتبطة بمشروع "كلمة سواء" (http://www.acommonword.com) الممول من طرف الوليد بن طلال (http://cmcu.georgetown.edu/ والذي يرأسه جون اسبوزيتو الأستاذ في جامعة جورج تاون الأمريكية (http://president.georgetown.edu/sections/initiatives/commonword)  وهو حلقة من حلقات الوصل بين الإدارة الأمريكية والموديرايت -الإسلاميون المعتدلون-. فهذه المؤسسة تشرع في مشروع تفسير القرآن، وهذا المشروع "المشروع الكبير لتفسير القرآن"
 (
http://www.altafsir.com/) موجود على بوابة موقع "كلمة سواء". والغريب أن تجد روابط لمثل ذلك المشروع الخبيث في مواقع أو تواقيع بعض الإخوة من السياسيين الواعين. ونسأل الله الحفظ. فإن الله قد تعهد بحفظ القرآن ولكنه لم يتعهد بحفظ المسلمين ولا نخشى على القرآن بقدر ما نخشى على المسلمين من الضلال الذي يوقعهم فيه خدام المشروع الأمريكي من أبناء الجلدة بشتى الطرق والوسائل والأساليب.


شراكة الحركات الإسلامية ‘المعتدلة’ مع الأنظمة إلى أين؟

12 فيفري 2010

شراكة الحركات الإسلامية ‘المعتدلة’ مع الأنظمة إلى أين؟

بقلم علاء أبو صالح

 

يبدو المشهد السياسي في العالم الإسلامي في ظل حكم الأنظمة الجاثمة على صدر الأمة والموالية لأعدائها مشهداً قاتماً، ويزيد من قتامته تحالف بعض التيارات الإسلامية مع هذه الأنظمة بصورة أو بأخرى.

فقد سعت بعض التيارات إلى مشاركة هذه الأنظمة عملها السياسي التآمري، بلعب دور المعارضة وفق الرؤية الغربية تارة، أو بولوج هذه الأنظمة لتصبح مكوناً رئيسياً منها. لكنها –وللأسف- كانت من حيث أدركت ذلك أم جهلت دعامة لهذه الأنظمة التي لن يكون للأمة منفذ لسبيل عزتها وعودتها خير أمة أخرجت للناس سوى بإزالتها.

فتجارب الحركات الإسلامية في بلدان عدّة في الانخراط في العملية السياسية أسفرت عن نتائج كارثيّة، بل إن المتابع لتلك التجارب يدرك أن هناك أصابع خفية ساقت تلك التيارات للانخراط في اللعبة التي تتحكم القوى الغربية بخيوطها، ويدرك كذلك أن تلك التيارات كانت بمثابة حقل تجارب لمراكز الأبحاث الغربية التي عكفت على دراسة ظاهرة المد الإسلامي المتنامي وكيفية التصدي له، وخلصت أن لا سبيل أمام الساسة الغربيين سوى استخدام ورقة ما بات يعرف بالإسلام ‘المعتدل’ حتى يتم عرقلة مشروع الإسلام النهضوي الذي يقضي بالإنعتاق من التبعية السياسية والفكرية للغرب بل ويدعو إلى حمل الإسلام رسالة هدىً للعالمين.

ونحن إذ نتناول هذا الموضوع نقف عليه من زوايا ثلاث، الأولى ما هو موقف الغرب من شراكة الأنظمة مع التيارات الإسلامية ‘المعتدلة’، والثانية ما مدى النجاح الذي حققته هذه التيارات، ومن ثم نعرج على آثار هذه التجارب على مشروع الأمة النهضوي وما مدى إسهام هذه التجارب في خدمة أو عرقلة هذا المشروع.

أما موقف الغرب من شراكة الأنظمة مع التيارات الإسلامية ‘المعتدلة’ فقد شهد تقلبات متعددة، أولها اعتماد سياسة ركوب الموجة في التعامل مع التيارات الإسلامية في سبعينات القرن الفائت وهي مما أوصى به الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون واستمرت تلك السياسة لعقود،

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تبنت أمريكا سياسة الحرب على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب دون أن تفرق بين التيارات الإسلامية التي تصنفها ‘بالمعتدلة’ أو ‘الأصولية’، فوضعت جميع التيارات الإسلامية في سلة واحدة،

لكن فشل سياستها وعدم قدرتها على تحقيق إنجازات تذكر على صعيد الأزمات التي فجرتها تحت مسمى الحرب على الإرهاب دفعها لإعادة التفكير في تلك السياسة مما دعاها إلى العدول عن حربها الشعواء الارتجالية الشمولية، فعمدت إلى التفريق مرة أخرى بين تيار حرصت عليه من قبل وغذته بأسباب الحياة في سبيل وقوفه في وجه تيارات ‘الأصولية’ التي تعادي الحكومات الغربية ولا تسير ضمن مشاريعها،

وللدلالة على ذلك فلقد أصدرت مؤسسة رند -وهي إحدى مؤسسات Think Tanks ذات التأثير الكبير على توجه الطبقة السياسية الحاكمة في أمريكا- تقريراً عام 2008 يدعو إلى بناء شبكات إسلامية معتدلة لتقف في وجه من صنفتهم بالأصوليين والذين وصفهم الباحثون بأنهم قويو الحجة والبرهان، ودعا التقرير إلى ‘ أن يكون بناء شبكات إسلامية معتدلة هدفا معلنا وصريحا في برنامج الحكومة الأميركية’ واعتبر ‘أن بناء شبكات الاعتدال الإسلامي يمكن أن يجري على ثلاثة وجوه رئيسية:

  • أولا: دعم مؤسسات هي أصلا موجودة.
  • ثانيا: ضبط شبكات معينة ذات أولوية والعمل على بعثها ورعايتها.
  • ثالثا: المشاركة في إشاعة ثقافة التعدد والتسامح، التي تعد شرطا لازما لتطور مثل هذه المؤسسات.
  • وللتأكيد على هذا التوجه وأهميته رأى التقرير ‘أن الخطوة الأولى التي يجب قطعها تتمثل في اتخاذ قرار حاسم من طرف الإدارة الأميركية وحلفائها ببناء شبكة الاعتدال في العالم الإسلامي، وربط تحقيق هذا الهدف الكبير بصورة واضحة وصريحة بالإستراتيجية، ومجمل البرامج الأميركية’، كما نص التقرير كذلك على ‘أن التنفيذ الجاد والناجع لمثل هذه الإستراتجية يتطلب وجود بنية هيكلية داخل الحكومة تسهر على توجيه ودعم ثم مراقبة ورصد الجهود المبذولة على هذا الصعيد، وهذا الأمر يتطلب بدوره صناعة الخبرات والقدرات اللازمة. ولتحقيق هذه الأهداف العامة فإننا نقترح ما يلي:
  • وضع ميزان تقييمي تتم بموجبه غربلة المعتدلين الحقيقيين من الانتهازيين والمتطرفين الذين يتخفون خلف غلاف الاعتدال، فضلا عن تمييز العلمانيين الليبراليين عن العلمانيين التسلطيين.
  • بناء قاعدة معلومات دولية تضم الشركاء المحتملين (تحتوي الأفراد والمجموعات والمنظمات، والمؤسسات والأحزاب).
  • وضع آليات واضحة تسمح بمراقبة وتوجيه، ثم تطوير البرامج والمشاريع وتقييم القرارات المتخذة في هذا المضمار. ومن هنا تتأتى أهمية إيجاد عدسة رصد تسمح بدعم وتحسين أداء الشركاء الذين هم محل ثقة لدينا.’ انتهى الاقتباس

وتأكيداً على أهمية هذه السياسة وإعطائها الأولوية اللازمة نص التقرير على ‘إن مشروعنا البنائي والمؤسسي يجب أن يعطي الأولوية المطلقة لتلك المجموعات ذات التوجهات الأيديولوجية المقبولة لدينا، أي تلك التي تلتزم فعلا بما تعلنه من أطروحات الاعتدال. فهذه المجموعات هي التي يمكن التعويل عليها دون غيرها، باعتبارها شريكا جادا. من هنا يتوجب تمحيص التوجهات الأيديولوجية بشكل جيد، وعند الاطمئنان إلى سلامة التوجه يمكن أن تتاح للمجموعات العاملة دائرة أوسع من الاستقلالية والتسيير الذاتي، وهذا الأمر يستوجب بدوره مراجعة الإستراتيجية العامة المتبعة إلى حد الآن مع العالم الإسلامي.’

ومن الشواهد على هذه السياسة تصريحات بعض السياسيين الغربيين. فقد كشفت وزيرةَ خارجيةِ أمريكا السابقة ‘كونداليزا رايس’ عن ‘اقتناع الولايات المتحدة بأهميةِ التحاورِ مع الإسلاميين في المنطقة العربية، وأنها لا تخشى من وصول تياراتٍ إسلاميةٍ إلى السلطة’، واعتبر ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية ‘إن الولاياتِ المتحدة لا تخشى وصولَ تياراتٍ إسلاميةٍ إلى السلطة لتحلَ محلَ الأنظمةِ القمعيةِ العربية التي تتسبب بتكميمها الأفواهَ في اندلاعِ أعمالِ الإرهاب، شريطةَ أن تصلَ عن طريقٍ ديمقراطي وأن تتبنى الديمقراطيةَ كوسيلةٍ للحكم’.

من ذلك كله يتبين أن موقف الغرب ممثلاً بموقف أمريكا وكذا دول الإتحاد الأوروبي كان واضح اللهجة في قبول هذه الشراكة بل داعماً لها في كثير من الأحيان، وهو إن تبنى خطاباً مغايراً لذلك مع تيارات ‘الإسلام المعتدل’ في بعض الأحيان فقد كان يرمي من ذلك إلى جر تلك التيارات لمزيد من الاندماج السياسي مع هذه الأنظمة، فهو يعتمد على نهج من يهن يسهل الهوان عليه، وهو يدرك أن قبول تلك التيارات بالديمقراطية وبقواعده التي يخطها لهذه اللعبة من شأنه أن يهوي بها في واد سحيق.

لذا نرى أن أمريكا حتى يومنا هذا تنتهج نفس الأسلوب والمنهاج في التعامل مع تلك التيارات، فأمريكا دعمت ولازالت تدعم حزب العدالة والتنمية في تركيا باعتباره رأس حربة لها يقف في وجه نفوذ الاستعمار القديم ممثلاً بالمؤسسة العسكرية في تركيا، وهي كذلك لم تمانع بل دعمت دخول الحزب الإسلامي في العراق الحكومة العراقية العميلة لأمريكا، وهي كذلك تحاول يائسة إسقاط تلك التجربة على حركة طالبان وفق ما نتج عن مؤتمر لندن الأخير والذي دعا إلى استمالة ‘ما سماه الجهات المعتدلة في طالبان’ ودعوتها للمشاركة في العملية السياسية هناك.

فأمريكا دعمت تيارات الإسلام ‘المعتدل’ علانية أو تحت جنح الظلام، وتعدى دعمها هذا مجرد الوقوف في وجه التيارات التي تصنفها ‘بالأصولية’ إلى الاستغلال السياسي الدنيء الذي سخر تلك التيارات في بعض الأحيان والبلدان لخدمة مشاريع الغرب السياسية.

أما عن مدى ما حققته هذه التجارب من نجاح فهي لم تحقق نجاحاً يذكر على صعيد وصفها بالتيارات الإسلامية، ولنأخذ للدلالة على ذلك أمثلة تركيا والسودان والأردن ومصر.

ففي تركيا لم تعدو تجربة حزب العدالة والتنمية عن كونها مثالاً صارخاً لمدى تسخير أمريكا لتيار ظاهره إسلامي وهو في حقيقته تيار علماني، فلطالما صرح قادته بمحافظتهم على مبادئ الدولة العلمانية الكمالية، فتجربة حزب العدالة والتنمية ليست مثالاً لنجاح التيارات الإسلامية في استلام الحكم بل هو مثال على نجاح أمريكا في تسخير هذا التيار لتحقيق أجنداتها في الاستيلاء على النفوذ في تركيا والاستئثار به دون الاستعمار القديم. ثم ما معنى نجاح هذا التيار أو ذاك إذا ترك الإسلام بنظمه الاقتصادية والاجتماعية ونظام العقوبات بل ودستوره الشامل خلف ظهره، وتمسك بأفكار علمانية بالية، فكيف يصر البعض على تسمية تجربة تركيا بتجربة إسلامية وهي لا تعدو تجربة علمانية صرفة؟! وما دار من صراعات بين حزب العدالة والجيش لم يكن سوى صراع بين النفوذ الجديد والنفوذ القديم؟!

وأما تجربة السودان فلنا في مآل هذه التجربة من انقسام التيار الإسلامي هناك على نفسه وانخراطه في مشاريع تقسيم السودان ومخططات أمريكا، مما يدعو للقول أن صبغة ومسحة الإسلام التي اكتساها تيار البشير لم تكن سوى استغلال لمشاعر المسلمين الجياشة لتحقيق وتنفيذ تلك المخططات الجهنمية التي أورثت السودان البوار.

وأما تجربة الأردن، فلقد بات واضحاً أن انخراط ‘الإسلاميين’ في الحكم وشراكتهم مع النظام الحاكم هناك لم يخرج عن كونه دعامة يتقوى بها النظام كلما ضعف بنيانه واهترأت شعبيته، وعن هذه التجربة يقول الكاتب عبد الجبار سعيد ‘وساهم الإخوان مساهمة إيجابية في استقرار المجتمع الأردني والنظام الأردني، وأوضح ما كانت هذه المساهمة عندما وقفوا إلى جانب النظام عندما جرت محاولة الانقلاب عليه، وهتفوا باسم جلالة الملك حسين رحمه الله في شوارع الزرقاء وعمان، وساهموا في إحباط تلك المحاولة.’

وأما تجربة الإخوان في مصر فبرغم ما تقدمه الحركة من عروض سخية بتأييد ودعم النظام في حالة السماح لهم بالانخراط الرسمي في العملية السياسية إلا أن النظام السائر في فلك المشاريع الغربية هذه المرة هو من يرفض هذا التعايش مع هذا التيار الإسلامي، مما يعكس مدى الانحدار في النظرة للمشروع الإسلامي بصورة عامة ومن خلوها من أهم المرتكزات الإسلامية وهي تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً شاملاً. 

أما آثار هذه التجارب على مشروع الأمة النهضوي فلقد كانت آثار سلبية، وتختبأ في ثنايا هذه التجارب وميض إيجابية غير مقصودة.

فلا يخفى على المتابع لتجارب الحركات الإسلامية في شراكتها مع الأنظمة وما ترتب على ذلك من آثار أن هذه التجارب أضرت بمشروع الأمة النهضوي، فمن جهة كشفت تلك التجارب أن التيارات الإسلامية-صاحبة هذه التجارب الفاشلة- هي تيارات واقعية مثلها مثل التيارات الأخرى ودعا ذلك الأمة إلى تعميم هذا الحكم على جميع الحركات والتيارات الإسلامية، ومن جهة أخرى أفرغت تلك التيارات شعار تطبيق الإسلام كشعار ‘الإسلام هو الحل’ من مضمونه مما جعل الأمة تظن أن رفع أي شعار لتطبيق الإسلام هو وسيلة وأداة لمجرد الوصول إلى الحكم دون تطبيق الإسلام بحق، ومن جهة ثالثة فلقد كانت تلك التيارات في بعض التجارب أداة للقوى الغربية الاستعمارية مستغلة ما تلبس من ثوب الدين. 

وأما الإيجابية الوحيدة فتمثلت في أن فشل تلك التيارات عزز قناعة الأمة بأن لا خلاص لها سوى بتطبيق الإسلام تطبيقاً خالصاً من الشوائب، وأنه لا يمكن تغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة من خلال شراكة هذه الأنظمة ومسايرتها وأن لا سبيل للتغيير الحقيقي سوى باقتلاع هذه الأنظمة من جذورها والتخلص منها بصورة نهائية.

إن التيارات الإسلامية التي انخرطت في العملية السياسية وعمدت إلى التعايش مع أنظمة تطبق شرعة الطاغوت قد بعدت عن نهج الرسول الكريم الذي خط لنا معالم الولاء والبراء والمفاصلة، وبين لنا أن العاملين للإسلام لا يمكن أن يخضعوا للمساومة على فكر واحد أو تطبيق حكم واحد، كما بين لنا الرسول الأكرم أن مواقف العاملين للتغيير لا بد أن تكون مواقف مبدئية لا براغماتية متقلبة فهو من قال لبني عامر بن صعصعة أثناء سعيه السياسي لحشد طاقات الأمة لتطبيق الإسلام عبر دولة رافضاً اشتراطاتهم التي تمس ما يحمل من أحكام ومنهاج (الأمر لله يضعه حيث يشاء) وفي هذا الموقف مثال صارخ لرفض الحياد عن تطبيق حكم واحد فكيف بمشاركة أنظمة تحكم بأنظمة كفر لا تمت إلى الإسلام بصلة، فهل يعقل أن يمتزج الإسلام بالكفر فينتجان ديناً جديداً أو منهاج حياة مبتكر؟!!

إن قضية الأمة لا تحل بوصول الأشخاص لسدة الحكم بل بوصول الإسلام كمبدأ ومنهاج حياة لسدة الحكم ليعاد صياغة الحياة والدولة والمجتمع وفق أحكام الإسلام ليحيا المسلمون حياتهم بطمأنينة وحياة كريمة عزيزة فتعود لهم الخلافة دولة النور حاملة مشعل الهداية لتنير للبشرية ظلمتها الحالكة.