مفهوما “التطرف” و “الاعتدال” والتلاعب بهما

مفهوما “التطرف” و “الاعتدال” والتلاعب بهما

﴿ يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُواْ نُورَ اللهِ بِأفْواهِهِمْ وَيَأبَى الله إِلاّ أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

تتردد على ألسنة الحكام والمفكرين ووسائل الاعلام هذه الأيام، ألفاظ التطرف والمتطرفين والاعتدال والمعتدلين وذلك عند الحديث عن الحركات الإسلامية وعن العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية أو عند الحديث عن أفكار الإسلام وخاصة السياسية منها ، بل لقد أصبح الغرب الكافر يرصد واقع المسلمين بشكل دؤوب ويعد الدراسات والأبحاث لمواجهة ما يسمى بالتطرف، وما يفعل ذلك إلا لغرض خبيث، هو محاربة الإسلام وحملة دعوته للحيلولة دون عودته إلى واقع الحياة.

وإن الناظر في منطقة العالم الإسلامي اليوم يراها تعيش واقعا غير عادي من السوء، ويرى اهلها يعيشون في سجن كب، تحت تسلط الطواغيت وجلاوزتهم وارهابهم للناس وتحت وطأة محاربةٍ شرسة للاسلام كنظام للحياة والدولة والمجتمع، ومحاربة لحملته الذين يعملون لايصاله إلى موقع الحكم والتطبيق، مما اثر على ارادة الناس، وعلى مقدرتهم على الحركة، وعلى التعبير عن آرائهم وافكارهم.

كما يرى الكفارَ ودول الكفر بقضهم وقضيضهم قد اعلنوا العداء الصريح للاسلام كنظام للحياة واخذوا يحاربونه ويحاربون حملته والعاملين لاعادته إلى الحياة والدولة والمجتمع محاربة شرسة بل وسخروا عملاءهم من حكام البلاد الاسلامية، وعلى رأسهم حكام البلاد العربية ومن استاجروه من أبناء المسلمين من العلمانيين والمأخوذين بالحضارة الغربية ومن غيرهم للقيام بمهاجمة الإسلام كنظام للحياة، وتشويه احكامه، والافتراء عليه، ووصمه بصفات شنيعة.

وقد اشتدت محاربتهم الفظيعة والشرسة للاسلام كنظام للحياة ولحملته بعد سقوط النظام الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفياتي، بعد ان برز الإسلام على الساحة كعامل سياسي يتطلع اليه المسلمون ليتخلصوا به من واقعهم السيء، ومن تحكم أفكار الكفر وقوانينه وأنظمته ودوله الكافرة بهم، وقد شنوا على الإسلام كنظام للحياة، وعلى حملته، حملة شعواء في وسائل الاعلام العالمية وشوهوا صورته، ووصموه بانه دين ارهاب وقتل ووصموا حملته بانهم قتلة وإرهابيون ومتطرفون ليثيروا عداء الشعوب له ولحملته وليبرروا استقتالهم واستقتال عملائهم من حكام البلاد الإسلامية على ضربه وضرب حملته بهذا الشكل الفظيع والشرس.

ولم تقتصر محاربتهم الإسلام كنظام للحياة ، بل تعدى الأمر إلى محاربة مجرد اسم الإسلام، ومجرد اسم المسلمين كما هو حاصل في البوسنة والهرسك، لان الإسلام اصبح شبحا مرعبا للكفر ولدول الكفر، فانه يذكرهم بدولة الخلافة التي قضت على الدولتين العظيمتين فارس والروم، والتي استمرت الدولة الأولى في العالم قرابة عشرة قرون، والتي فتحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وجعلتها عاصمة لها، والتي غزت أوروبا وحكمت أجزاء كبيرة منها قرابة خمسة قرون.

وهذا العداء الفظيع ، والمحاربة الشرسة من الكفر ودول الكفر والكفار، ومن عملائهم حكام البلاد الاسلامية، للاسلام وحملته، وللمسلمين في شتى بقاع الارض يجعل المسلم يعتصر ألما وهو يقرأ او يسمع أو يشاهد ما يوقعه هؤلاء الكفار وعملاؤهم المجرمون للمسلمين من اذى وتقتيل وتشريد واستباحة اعرا، وتعد على الحرمات ومن ضربات فظيعة لا ترحم و من نهب ثروات، ومن فرض هيمنة ومن تحكم بالبلاد والعباد، وما كل ذلك الا لكون المسلمين لا راعي لهم، وقد اصبحوا كالغنم الهائمة على وجوهها بعد ان فقدت راعيها تتخطفها الوحوش الكاسرة من كل جانب.

إلا أن الامة الاسلامية وبحمد الله تعالى صارت لا ترى خلاصا لها من محنتها الا باستئناف الحياة الاسلامية، واقامة الخلافة، وعودة الإسلام إلى الحكم والدولة، وقد اقبل جمهرة المسلمين من أبنائها على العمل بالاسلام والتمسك باحكامه، وقامت تكتلات واحزاب في الأمة تعمل على التخلص من انظمة الكفر، ومن أفكار الكفر الوافدة الينا مع الغزو الصليبي الغربي الكافر، وعلى خلع الدساتير والقوانين الوضعية، والقضاء على الافكار الكافرة من ديمقراطية، وقومية ووطنية وحرية شخصية وغيرها، واحلال الإسلام السياسي وأنظمته واحكامه وافكاره محل هذه الاحكام والأفكار.

ولكن بعد ان صار تحقيق كل ذلك يلوح في الأفق، هال هذا الأمر الكفار ودول الكفر كما هال حكام المسلمين والمفتونين بالثقافة الغربية والحاملين لها، فراحوا يتلمسون السبل لوقف هذا الزحف، فكان ما أعدوه من وسائل أن لجأوا إلى الناحية الفكرية لتشويه أحكام الإسلام وتنفير المسلمين من دعاة الإسلام، لصرفهم عن العمل لقلع أفكار الكفر وأنظمته، وخلع الطواغيت الظلمة الذين يجثمون على صدور الناس وأضلاعهم، وبالتالي صرف المسلمين عن مسيرتهم نحو إقامة الخلافة وإعادة الحكم بما انزل الله.

فكانت ألفاظ التطرف والمتطرفين والإرهاب والإرهابيين، والاعتدال والمعتدلين، التي شهروها في وجوه المسلمين العاملين بالإسلام وللإسلام، وقد صرفوا هذه الألفاظ عن دلالتها والمعاني التي وضعت لها عن خبث وسوء نية ، فجعلوا من ينكر على حكام المسلمين الطواغيت ظلمهم وحكمهم بأحكام الكفر، ويعمل لإقامة الخلافة والحكم بما انزل الله متطرفا، وجعلوا من يسايسهم ويرضى عنهم ، ومن يعمل للإصلاحات الجزئية مع بقاء نظام الكفر معتدلا.

هكذا دبروا، وهكذا نفذوا، جاعلين من أنفسهم ودولهم المثل الأعلى والمصدر الذي تصدر عنه الآراء والأفكار، مع أن الله سبحانه يوجب على المسلمين أن يصدروا عن الإسلام وأحكامه وان يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا غير، فان يأتي هؤلاء الحكام ليضعوا أنفسهم بدل ربهم، ودولهم بدل دينهم فهو الضلال، وهو ادعاء الربوبية من دون الله.

ثم أن يأتي أعوانهم من المثقفين بالثقافة الغربية، ومن بعض المشايخ ليكونوا أبواقا لهذه الضلالات فهو الإجرام الذي ما بعده إجرام. إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوجب على المسلمين الإنكار على الحكام الظالمين، ويوجب عليهم ان يغيروا عليهم ليردوهم عن ظلمهم، فقد روى ابو امامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : ( أعظم الجهاد كلمة حق تقال في وجه سلطان جائر )، وفي رواية لعبد الله بن مسعود : ( لتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق اطرا ) وتمام الرواية عن حذيفة ( او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا منه فتدعونه فلا يستجاب لكم ).

اما هؤلاء الطواغيت فقد رموا كل من يعمل من دعاة الإسلام لخلعهم والانكار عليهم بالتطرف اي انهم رموا الإسلام نفسه بالتطرف ما دام اسلاما سياسيا يراد منه ان يحل محلهم، ويقصيهم عن كراسيهم. ثم تمادوا في صلفهم وعمالتهم، فنادوا بان كل من يحرم موالاة الكفار ودولهم من الامريكيين والانجليز والفرنسيين والروس، والاستعانة بهم، هو متطرف ومنغلق ومتزمت، وان من يقبل الاستعانة بهم وموالاتهم هو معتدل وعقلاني وايجابي. مع أن الإسلام يحرم على المسلمين موالاة الكفار يهودا كانوا او نصارى، ويحظر عليهم اتخاذهم اولياء وانصارا، قال سبحانه وتعالى : ﴿ لا يتخذ المؤمنين الكافرين اولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ﴾ ، و : ﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا اباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم ﴾.

كما طلعوا علينا بان الصلح مع اسرائيل، والاعتراف بها، وباحتلالها وملكيتها لارض اسلامية اعتدال وتعقل، وان من يحرم الصلح معها وينادي بالقضاء عليها من جذورها، هو متطرف غير واقعي، في حين ان الإسلام يوجب على المسلمين ان يردوا كل كافر يهاجم بلادهم، ويوجب عليهم استرجاع كل شبر من ارض الإسلام ظهر عليه الكفار واغتصبوه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من ملّك كافرا شبرا من أرض المسلمين ملكه الله قطعة من جهنم )، وهذا كله معلوم من الدين بالضرورة، ‎لا ينكره إلا كافر أو جاهل.

كما نعتوا الحركات الإسلامية السياسية بالتطرف، ونعتوا الحركات الإسلامية غير السياسية والحركات الوطنية والقومية بالاعتدال، لان هؤلاء لا خطر منهم على دولهم، سيما وأنهم في طريق التلاشي، وان الخطر كل الخطر من أولئك.

وهكذا صرفوا هاتين الكلمتين – التطرف والاعتدال – عن دلالتيهما وتلاعبوا بهما كعادتهم في التلاعب بالدين واللغة، وبمصير هذه الأمة كلها.

أما عن التطرف والاعتدال فإن التطرف ليس له دلالة شرعية، لان هذه اللفظة لم ترد في النصوص الشرعية، ولم يستعملها فقهاء الإسلام، ولذا فانه ليس لها سوى الدلالة اللغوية فحسب، والتطرف في اللغة :هو مجاوزة حدّ الاعتدال ويقال تطرفت الناقة إذا رعت أطراف المرعى ولم تختلط بالنوق، ورجل متطرف أي لا يثبت على أمر، وإذا أردنا أن نستعمل اللفظة في الشرع قلنا : إن التطرف هو مجاوزة الحدود التي وضعها الشرع، أي مخالفة أحكام الإسلام.

أما الاعتدال : فهو وسط بين حالتين في كم او كيف، وكل ما تناسب فقد اعتدل، فإذا مال الشيء فأقمته تقول عدلته فاعتدل، ولا يفرق أهل اللغة بين الاعتدال والاستقامة والاستواء فهم يقولون : استقام الشيء إذا استوى واعتدل، وشرعا الاعتدال هو الالتزام بالاحكام الشرعية والاستقامة عليها والاتيان بها على الوجه الذي شرعه الله تعالى .

هذا هو التطرف، وهذا هو الاعتدال، فالذي يزيد في عدد ركعات الفرائض، او يطوف طواف العمرة عشر اشواط، او يحرم قتل نساء واطفال الكفار الذين يشاركون في حربنا او يحرم اكل العنب لان منه تصنع الخمر، او يوجب على نفسه لبس الخشن من اللباس تقربا إلى الله، او يحرم العمل السياسي ويقصر الإسلام على العقائد والعبادات والاخلاق وبعض المعاملات او يمتنع عن الزواج لانه يلهي عن العبادة وقيام الليل، كل هؤلاء يعتبرون متطرفين ومتنطعين لانهم جاوزوا حدود الاحكام الشرعية.

والذي يلتزم أحكام الله تعالى ويبتعد عن نواهيه ويجاهد الكفار ولا يشرع الأحكام من دون الله تعالى، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة، فيقول الحق أينما كان ولمن كان دون خشية أو خنوع ويحمل الدعوة في الأمة بالعمل السياسي فيكشف خطط الكفار ومؤامراتهم على هذه الأمة ويفضح عملاءهم ويتصدى لهم فإن من يفعل كل ذلك لا يكون متطرفا أو متزمتا وإنما هو معتدل وملتزم بأحكام الله تعالى.

والمسلمون جميعا ملزمون بالتقيد باحكام الإسلام، والاتيان بها كاملة وفق ما شرعه الله لعباده دون زيادة فيها او نقصان، والوقوف عند حدود الله فيها وعدم تجاوزها حتى لو ناقضت مصالحهم واهواءهم وعاداتهم، ورغبات حكامهم، وقوانينهم ودساتيرهم، فدين الله أحق أن يتبع وحدود الله يجب أن تصان وأحكام الإسلام يجب أن يدعى لها، وان يتكتل المسلمون عليها وان يعملوا لإعادتها إلى الحياة بإقامة الحكم الإسلامي.

وكل من يقوم بذلك فهو ملتزم ومتمسك ومعتدل، أما من يخالف هذا فهو المتطرف والمخالف والآثم : ﴿ تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ﴾.

ولا يعتبر من التطرف تمسك الشخص أو الجماعة برأي أو حكم في أي شأن من شؤون الحياة، وفي كيفية حمل الدعوة الإسلامية ما دام الحكم أو الرأي أو الفكر مأخوذا باجتهاد صحيح. ذلك أن الإسلام قد حدد أحكاما شرعية وأمر المسلمين بالتزامها ونهاهم عن مخالفتها : ﴿ تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ﴾ و ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ﴾ وفي الحديث ( إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها ). والحدود التي أمر الله بالتزامها ونهى عن التعدي عليها ومجاوزتها هي أحكام شرعية بينتها الشريعة الإسلامية : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) وقال جل وعلا : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ).

وهذه الأحكام إما أن تُفهم من الدليل الشرعي ذي الدلالة القطعية وذلك كحرمة الزنا في قوله تعالى ﴿ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا﴾ وكقوله تعالى ﴿ وأحل الله البيع وحرم الربا ﴾، وإما أن تؤخذ الأحكام الشرعية استنباطا من الدليل الشرعي ذي الدلالة الظنية مثل قوله تعالى ﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلا ثة قروء﴾ فإن لفظ القروء يحتمل أن المراد به الحيض أو الطهر، وكذلك قوله تعالى ﴿أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح﴾ فإنه يحتمل أن المراد به الزوج أو الولي.

وبصورة أخرى فإن الأحكام الشرعية وهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد جاءت في القرآن والحديث، وكان فيها الكثير مما يحتمل عدة معان حسب اللغة العربية وحسب الشرع، لذلك كان طبيعيا وحتميا أن يختلف الناس في فهمها، وأن يصل هذا الاختلاف في الفهم إلى حد التباين والتغاير في المعنى المراد لذلك قد يكون هناك في المسألة الواحدة آراء مختلفة ومتباينة.

فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال في غزوة الأحزاب : ” لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة ” فهم البعض أنه قصد الاستعجال وصلوا في الطريق، وفهم البعض الآخر أنه قصد المعنى فلم يصلوا العصر وأخروها حتى وصلوا بني قريظة فصلوها هناك، ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أقر الفريقين كلا على فهمه، وهكذا الكثير من الآيات والأحاديث.

فاختلاف الآراء في المسألة الواحدة يحتم على المسلم الأخذ برأي واحد منها لأنها كلها أحكام شرعية، إلا أن أخذ الحكم الشرعي من الدليل الظني الدلالة لا يجوز أن يكون إلا باجتهاد صحيح وحسب طريقة الإسلام لا غير، والاجتهاد حتى يكون صحيحا لا بد أن تتوفر فيه ثلاثة أمور، أحدها بذل الوسع على وجه يحس بالعجز عن المزيد فيه وثانيها أن يكون هذا البذل في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية وثالثها أن يكون طلب الظن هذا من النصوص الشرعية. وعليه فإن من لم يبذل الوسع لا يكون مجتهدا ومن بذل الوسع في طلب الظن بغير الأحكام الشرعية من المعارف والآراء وغير ذلك لا يكون مجتهدا وكذلك من طلب الظن من الأحكام الشرعية من غير النصوص الشرعية لا يكون مجتهدا ولا يعتبر ما توصل إليه من حكم رأيا شرعيا.

فمن قال بجواز التعددية السياسية مستندا إلى فكرة حرية الرأي في النظام الديمقراطي لا يعتبر رأيه رأيا شرعيا ولا يعتد به بأي وجه من الوجوه بل هو رأي لا يمت للإسلام بصلة، لأنه لا دليل عليه والإسلام يحرم أن يسود مجتمعه كل ما لم ينبثق عن العقيدة الإسلامية من أفكار وأحكام وآراء : ﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ﴾ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ” من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ”.

ومن قال بأن الإسلام دين عبادات وأخلاق ولا دخل له بالسياسة أو الدولة مستندا إلى مقولة دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر فإن رأيه هذا مردود عليه لأنه ليس من الإسلام في شيء بل هو كفر بقوله تعالى : ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله﴾ وإنكار لما ثبت بالتواتر من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حاكما ورئيسا لدولة يحكم الناس فيها بأحكام الإسلام التي عالجت جميع نواحي الحياة.

وهكذا كل ما يعمل أعداء الإسلام على دسه بين المسلمين من أفكار ومناهج ليست من الإسلام كالديمقراطية والقومية والوطنية وجواز بقاء المسلمين دون خلافة، وإضفاء الشرعية على الأنظمة الحاكمة وغير ذلك، ومحاولة الإتيان لها بأدلة شرعية زورا وبهتانا وتحميل النصوص بما لا تحتمل فإنها ليست من الإسلام، ولا يجوز الالتفات إليها بل على المسلمين لفظها ومحاربتها.

فالعبرة إذن في أخذ الأحكام الشرعية صحة استنباطها من الأدلة التفصيلية بطريقة الإسلام، ويكون حينئذ الالتزام بهذه الأحكام اعتدالا واستقامة، ويكون عدم الالتزام بها تطرفا وتجاوزا لحدود الدين.

وعليه فإن من الخطأ الفادح أن يجعل التطرف سهما يطلق على كل رأي أو سلوك لمجرد وجود تخوف معين من نتائج هذا الرأي أو آثار ذلك السلوك أو لمجرد مخالفة أي منهما لهوى أو مصلحة، بل لا بد من أن يكون هناك مقياس يقاس به كل رأي وكل سلوك فتعرف شرعيته في الإسلام من عدم شرعيته ويتقرر حينئذ رفضه أو قبوله، تبنيه أو محاربته.

والإسلام هو الحجة فإذا فُهم حق الفهم وتحقق عند المسلمين الوعي على أفكاره وأحكامه فإنهم عندئذ يكونون بمنأى عن الوقوع في التطرف ومغالطات التطرف.

فعلى المسلمين جميعا أن ينتبهوا لكل المضلين المحرفين المغرضين، وان لا يخدعوا بأقوالهم ولا بما يلقونه إليهم، بل يلقونه في وجوههم، ويتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهما الحكم والفيصل، لا يزيغ عنهما إلا هالك.

“طوبى للغرباء”

11 Responses to مفهوما “التطرف” و “الاعتدال” والتلاعب بهما

  1. for, you can leave it out too….

    in order to get better results and improve your article writing skills, it is important to simplify the process. making things more complicated adds confusion. you can focus on simple, basic tasks, and improve the quality of your articles. it takes…