توضيح هام بخصوص الوهابية

8 أفريل 2013

الوهابية

 توضيح هام بخصوص الوهابية

الوهابية، ليست لا مذهباً فقهياً جديداً، حيث لا أصول فقهية لها- ولا مذهباً جديداً في العقيدة -حيث لا أصول جديدة لها ولا تختلف عن تجسيم أبو يعلى الفراء في القرن ال-4 هجري، بل هي مذهب سياسي، يقول بتحالف سلطة دينية مع سلطة سياسية -الدولة الدينية- في حين أن الإسلام لا رهبانية فيه، والعالم المسلم يتهم في دينه عندما يتردد على الحاكم. فما بالكم وهؤلاء “العلماء” يحلون أخذ ما يسمىب”الشرهة” (عطايا مالية يمنحها آل سعود)، ويحرمون الإنكار على آل سعود علناً؟!

بل ويجعلون هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ليس لمحاسبة الحاكم وأمره ونهيه وإنما سيفاً في يد الحاكم مسلطاً على رقاب الفقراء … سلما على من يطلقون عليهم “الأمراء”…!!! الحاكم، حسب الوهابية، يحكم الرعية وينشيء جهازاً يحاسب الرعية!!! الحاكم من آل سعود، والشيخ من آل بن عبد الوهاب! شعب الحرمين نسبوه لآل سعود، بلاد الحرمين نسبوها لهم!!!!

الوهابية -وتختلف عن مجرد السلفية- هي أكبر بدعة في ألدين منذ جاء الأسلام، وهي كما هي حقيقتها منذ حياة محمد بن عبد الوهاب: تحالف شيخ بسيط التفكير مع حاكم مدعوم من الإنجليز، على المسلمين. وقتل تحالفهم بدعم الإنجليز بالمال والرأي والسلاح … من المسلمين الآلاف المؤلفة (في حياة بن عبد الوهاب نفسه) من الجزيرة والشام والعراق تحت شماعة “الإصلاح” الذي هو بالنسبة لهم نشر ضيق آفاق رؤى محمد بن عبد الوهاب … حيث كفروا المسلمين ووصموا من لم يتبعهم بالشرك استباحة لدمائهم…. وهو تحالف قائم إلى اليوم منذ ما يقرب ال-300 سنة بين آل بن عبد الوهاب (سلطة دينية) وآل سعود (سلطة سياسية)!!!

#خالد زروان

تنويه: نرجو أن يكون الأمر واضحاً ولكن حتى يرفع كل لبس، كلامنا لا نقصد به أي عالم رباني ولا أتباعهم. وأمرنا جميعاً إلى الله. وعلماء الجزيرة الذين يسجنهم آل سلول بمباركة شيوخ النظام الوهابي السلولي، هم علماؤنا. هم علماء كل المسلمين. والمجاهدون الذين هم من بلاد الحرمين هم مجاهدونا.

الإدراج هو لفك اللبس حول ما عرف ب-”الحركة الوهابية”، والتي لا أصول فقه لها ولا أصول جديدة في العقيدة، وإنما المنتمون لها هم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كل ذلك ولكن الجديد لدى هذه الحركة والتي يجعلها لا مدرسة ولا مذهب فقهي وإنما هي مذهب سياسي تتحالف فيه السلطة السياسية مع شيخ للحكم بإسم الإسلام، دون أن يحكموا به.

فأرجو أن يكون هذا الأمر واضحاً للجميع.


أيها الثوار: ثورتنا ليست للبيع – خالد زروان

29 أكتوبر 2012

ثورتنا ليست للبيع 

 

أيها الثوار: ثورتنا ليست للبيع 
2012/10/25
خالد زروان 

تقارير إعلامية وميدانية تشير إلى توزيع رواتب على الثوار عن طريق ممثلي المجالس العسكرية التي تم انشاؤها مؤخراً …!!!

أول سؤال يجب أن يتم سؤاله لموزع المال: من أين لكم هذا؟
والمتأمل في تكوين المجالس العسكرية الأخيرة -دون إتهام لأشخاص، لأن واجهة الإتصال بهم قد تكون خادعة لهم- أنه يتم على أعين أنظمة المنطقة وتخصيصاً أنظمة الخليج … ونعلم من وراءهم (المخابرات الأجنبية. فهم لا يرفعون إصبعاً دون إذنهم). والإجابة تلقائية، أن هذا المال إما أنه من أنظمة الخليج أو من المال الأمريكي المرصود لغرض حرف الثورة عن اسلاميتها والتوجه بها إلى الديمقراطية والأمركة!

ثاني سؤال: مقابل ماذا؟
والإجابة ظاهرياً معلومة وهي أن هذا المال المحصور توزيعه في المجالس العسكرية فحسب مقابل فقط تسجيل إسم الثائر… ولكن ما خفي من اهدافه هو المستهدف، ومنها:
– كسب ولاء الثوار لهذه المجالس العسكرية: وهذا الهدف، إن تم، فهو من أخطر الأهداف فهو تقعيد لسلطة المال … وهو دليل أن المجالس العسكرية أصلاً قد تم شراؤها … أي أنه بالمال يمكن اشتراء الثورة ومبادئها التي قامت من أجلها ألا وهي هدم النظام العلماني المدني الذي يذبحنا الآن وتطبيق الإسلام كاملاً وذلك من خلال اشتراء الثوار وإغرائهم بحفنة من الدولارات يقبضونها كل شهر!

– تكوين قاعدة بيانات لتسهيل العمل المخابراتي لأنظمة المنطقة ومن ورائها من الأجهزة المخابراتية العالمية.

– استحداث دورات دمغجة فكرية سياسية بالنظام الديمقراطي والعمل المدني العلماني للمسجلين منهم.

– دعم المسجلين الموثوق من ولائهم ومن إفتتاتنهم بفكرة الديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية أو المدنية ذات مرجعية إسلامية … بالسلاح وكل أشكال الدعم.

– عزل من يسميهم الغرب المتطرفون وهم بكل بساطة السوريون الذين نادوا لأكثر من 12 شهراً في الساحات ولا زالوا ينادون بعودة الخلافة الإسلامية، وإضعافهم من أجل افشال تحقيق هدف الإحتكام بالإسلام الذي نادت به الثورة السورية.

إلى غير ذلك من الأهداف … فهذا المال السياسي القذر، هو أخطر إختراق للثورة السورية إلى حد اليوم !

ومن أخطر نتائج هذا المال السياسي أن ينتسب للثوار النطيحة والمتردية والمقوذة وما أكل السبع الذين يقاتلون فقط من أجل الدولار … يعني مرتزقة أو شبيحة … وإذا سال لعاب الثوار، فعلى الثورة السلام !!!
جاء في البخاري عن أبي موسى الأشعري:
{قال أعرابيٌّ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : الرجلُ يُقاتلُ للمغنمِ ، والرجلُ يقاتلُ ليُذْكَرَ ، ويُقاتِلُ ليُرَى مكانُهُ ، من في سبيلِ اللهِ ؟ فقال : من قاتلَ ، لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا ، فهوَ في سبيلِ اللهِ .}

ففيم قتالكم أيها الثوار؟
الثورة المبدئية لا تشترى … الثوريون المبدئيون لا يمكن اغراؤهم بمال، ولقد أظهرتم من الفطنة ما أظهرتم إلى حد الآن … فلا تؤتوا من بين جنباتكم…! الحذر الحذر!

أهل الشام قلتم "هي لله" و-"إن تنصروا الله ينصركم"… و"الشعب يريد خلافة إسلامية"… وهذا الهدف لزمته قيادة سياسية تحمل برنامجاً وبديلاً لتحقيقه… وليس قيادة عسكرية مغامرة في السياسة! 

الحل؟

– لا نمد يداً أبداً لمال سياسي قذر. الثورة قامت لتحقيق أهداف سياسية بالأساس … ومن يريد تحقيق أهداف سياسية لزمه التضحية من أجل تحقيقها. وهدم نظام الكفر العلماني المدني الذي يقتلنا وبناء دولة الإسلام العالمية مكانه … ما أرخص التضحيات في سبيله، فالشهادة نصر والنصر نصر {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ}
– العسكريون غير مؤهلين للقيادة السياسية، والذي يحصل من عدم النباهة لتبعات تتبعهم خطوات شياطين الخليج أكبر دليل. والحل يكمن في أن تكون للثوار قيادة سياسية من رحم الثورة مخلصة لله تعبر عن اهدافها وتحفظها … والمقصود ليس شخصاً بعينه وإنما حزب قد تكتل على أساس الإسلام … وهو موجود بينكم ويكافح النظام منذ عشرات السنين إنه حزب التحرير الذي لا مصالح شخصية له وإنما هدف الحزب العالمي هو إعادة الخلافة الإسلامية ولا يرتبط بأي نظام من هذه الأنظمة المتعفنة ولا بأي مصلحة معها وصراعه معها ومع النظام الرأسمالي هو صراع وجود! فكونوا أنصاراً للحق الذي يدعو له، تفلحوا في الدارين… وتأمنوا تآمر المتآمرين وخداع المستغفلين!

خالد زروان

 


ردّ علماء تونس على الرسالة الوهّابية

24 فيفري 2012

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

ردّ علماء تونس على الرسالة الوهّابية

 

أرسل سعود بن عبد العزيز بن سعود (المتوفى سنة 1231هـ1816م) رسالة إلى أهل المغرب العربي (سماها بعضهم بالرسالة الوهابية، وقيل إنها من كتابة الشيخ ابن عبد الوهاب نفسه) يبيّن فيها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله تعالى) ويدعوهم فيها إلى الأخذ بمذهبه، وقد وردت الرسالة إلى القطر التونسي فبعث بها الباي أبو محمد حمودة باي (1759-1814) إلى علماء عصره، وطلب منهم أن يوضحوا للناس الحق، فكتب عليها العلامة المحقق أبو الفداء إسماعيل التّميمي (رحمه الله) كتابا مطولا سماه "المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية"، وأجاب عنها العلامة المحقق قاضي الجماعة أبو حفص عمر (توفى رحمه الله في محرم سنة 1222هـ/أفريل 1807م) ابن المفتي العلامة المالكي أبو الفضل قاسم المحجوب برسالة بديعة.

وفيما يلي نص الرسالة "الوهابية" ويتبعها الردّ عليها:

 

 

الرسالة "الوهابية"

بسم الله الرحمن الرحيم، نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شر أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يُضلل الله فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يَضُر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا أما بعد:

فقد قال الله تعالى: {قلْ هذهِ سبيلي أدعوا إلى اللهِ على بصيرةٍ أنا ومنِ اتَّبَعني وسُبحانَ اللهِ وما أنا من المشركين}، وقال الله تعالى: {قُلْ إن كُنتم تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعوني يُحبِبْكُمُ اللهُ ويغفرْ لكم ذنوبكم}، وقال الله تعالى: {وما آتاكُم الرسولُ فخُذوهُ وما نهاكم عنهُ فانتهوا}، وقال الله تعالى: {اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأتْمَمتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا}، فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمّه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بلزوم ما أتى به إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف، وقال تعالى: {اتَّبعوا ما أُنزِلَ إليكم من ربِّكُم ولا تتبعوا من دونهِ أولياءَ قليلاً ما تذَكَّرون}، وقال تعالى: {وأنَّ هذا صِراطي مُستقيمًا فاتَّبِعوهُ ولا تتَّبعوا السُّبُلَ فتَفرَّقَ بكم عن سبيلهِ ذلكم وصَّاكُم به لعلكُم تتَّقون}.

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته آخذة ما أخذه الأمم قبلها شبرًا فشبرًا وذراعًا فذراعًا. وأخبر في الحديث أن أمته ستفترق ثلاثًا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: "من هي يا رسول الله؟" قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

وإذا عرفت هذا، فمعلوم ما عمّت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على العِدى، وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور، وذبح القربات، والاستعانة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلى لله تعالى.

وصرْفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الأغنياء عن الشركاء، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار.

وقال تعالى: {ويعبدونَ مِن دونِ اللهِ ما لا يضُرُّهُم ولا ينفعهم ويقولونَ هؤلاءِ شُفعاؤنا عندَ اللهِ قُلْ أتُنَبِّئُونَ اللهَ بما لا يعلمُ في السمواتِ ولا في الأرضِ سُبحانهُ وتعالى عمَّا يُشرِكون}، فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط لأجل الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم، وذلك أن الشفاعة كلّها لله كما قال تعالى: {قُلْ للهِ الشفاعةُ جميعًا}، و: {من ذا الذي يشفعُ عندهُ إلا بإذنِهِ}، وقال تعالى: {يومئذٍ لا تنفعُ الشفاعةُ إلا مَنْ أذِنَ لهُ الرحمنُ ورضيَ لهُ قولاً}. وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {ولا يشفعونَ إلا لِمَنِ ارتضى}. فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى: {وأنَّ المساجدَ للهِ فلا تدعوا معَ اللهِ أحدًا}، وقال تعالى: {ولا تدعُ من دونِ اللهِ ما لا ينفعُكَ ولا يَضُرُّكَ فإن فعلتَ فإنَّكَ إذًا مِنَ الظالمين}. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع ابتداء بل يأتي فيخرُّ لله ساجدًا فيحمده بمحامد يعلّمه إياها ثم يقول له: "ارفع رأسك وسلْ تُعْطَ واشفع تشفَّع"، ثم يحدّ له حدًا فيُدخلهم الجنة، فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرنا لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم. وما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم، وتعظيم قبورهم ببناء القِباب عليها وإسراجها والصلاة عندها وجعل الصدقة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذَّر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حيّ من أمتي بالمشركين وحتى تعبد أقوام من أمتي الأوثان".

وهو صلى الله عليه وسلم حمى جانب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق موصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر ويبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر، وثبت فيه لفظ أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سوّاه. ولذلك قال غير واحد من العلماء: "يجب هدم القباب المبنية على القبور" لأنها أسّست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل الأمر إلى أن كفَّرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا، حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة، ممتثلين لقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدينُ كلّه للهِ}. فمن لم يُجب الدعوة بالحجة والبيان دعوناه بالسيف والسنان كما قال الله تعالى: {لقدْ أرسلنا رُسُلنا بالبيِّناتِ وأنزلنا معهم الكتابَ والميزانَ ليقومَ الناسُ بالقِسْطِ وأنزلنا الحديدَ فيهِ بأسٌ شديدٌ}.

وندعو إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج بيت الله الحرام، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.

فهذا ما نعتقده وندين الله به، فمن عمل على ذلك فهو أخونا المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا.

ونعتقد أيضًا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضره من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك. انتهى.

 

ردّ الشيخ عمر المحجوب

{ربنا افتَحْ بيننا وبينَ قومِنا بالحَقِّ وأنتَ خيرُ الفاتحين}، {ربنا لا تجعلنا فتنةً للقومِ الظالمين. ونجِّنا برحمتِكَ من القومِ الكافرين}، {يا أيُّها الذينَ آمنوا عليكُم أنفُسَكُم لا يضُرُّكُم من ضَلَّ إذا اهتَدَيتُم إلى الله مرجِعُكُم جميعًا فيُنَبِّئُكم بما كنتم تعملون}، {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تُحِلّوا شعائر اللهِ ولا الشهرَ الحرامَ ولا الهَدْيَ ولا القلائِدَ ولا آمِّينَ البيتَ الحرامَ يبتغونَ فضلاً مِن ربِّهم ورِضوانًا وإذا حَلَلْتُم فاصطادوا ولا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قومٍ أن صَدُّوكُمْ عنِ المسجدِ الحرامِ أن تعتدوا وتعاونوا على البِرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدوان} .

أما بعد هذه الفاتحة التي طلعت في سماء المفاتحة، فإنك راسلتنا تزعمُ أنك القائم بنصرة الدين، وأنك تدعو على بصيرة لما دعا إليه سيد الأولين والآخرين، وتحثُّ على الاقتفاء والإتباع، وتنهى عن الفرقة والابتداع، وأشرت في كتابك إلى النهي عن الفرقة واختلاف العباد، فأصبحت كما قال الله تعالى: {ومِنَ الناسِ مَن يُعجبُكَ قولُهُ في الحياةِ الدنيا ويُشهِد الله على ما في قلبهِ وهو ألدُّ الخِصام. وإذا تولَّى سعى في الأرض ليُفسِدَ فيها ويُهلِكَ الحرْثَ والنسلَ واللهُ لا يحبُّ الفساد}.

وقد زعمت أن الناس قد ابتدعوا في الإسلام أمورًا، وأشركوا بالله من الأموات جمهورًا في توسلهم بمشاهد الأولياء عند الأزمات، وتشفعهم بهم في قضاء الحاجات، ونذر النذور إليهم والقربات، وغير ذلك من أنواع العبادات، وأن ذلك كله إشراك برب الأرضين والسموات، وكفر قد استحللتم به القتال وانتهاك الحرمات، ولعمر الله إنك قد ضللت وأضللت، وركبت مراكب الطغيان بما استحللت، وشنّعت وهوّلت، وعلى تكفير السلف والخلف عوَّلت، وها نحن نحاكمك إلى كتاب الله المحكم، وإلى السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أما ما أقدمت عليه من قتال أهل الإسلام، وإخافة أهل البلد الحرام، والتسلط على المعتصمين بكلمتي الشهادة، وأدمتم إضرام الحرب بين المسلمين وإيقاده، فقد اشتريتم في ذلك حُطام الدنيا بالآخرة، ووقعتم بذلك في الكبائر المتكاثرة، وفرقتم كلمة المسلمين، وخلعتم من أعناقكم ربقة الطاعة والدين، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا ولا تقُولوا لمن ألقى إليكم السلامَ لستَ مؤمنًا تَبْتَغونَ عَرَضَ الحياةِ الدُّنيا فعِندَ اللهِ مغانِمُ كثيرةٌ}، وقال عليه الصلاة والسلام: "أُمرتُ أنا أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله – أي ومحمد رسول الله – فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله".

وحيث كنت لكتاب الله معتمدًا، ولعماد سنته مستندًا، فكيف بعد هذا – ويحك – تستحلُّ دماء أقوام بهذه الكلمة ناطقون، وبرسالة النبي صلى الله عليه وسلم مصدقون، ولدعائم الإسلام يُقيمون، ولحوزة الإسلام يحمون، ولعبدة الأصنام يقاتلون، وعلى التوحيد يناضلون، وكيف قذفتم أنفسكم في مهواة الإلحاد، ووقعتم في شق العصا والسعي في الأرض بالفساد؟.

وأما ما تأوَّلته من تكفيرهم بزيارة الأولياء والصالحين، وجعلهم وسائط بينهم وبين رب العالمين، وزعمت أن ذلك شنشنةُ الجاهلية الماضين، فنقول لكم في جوابه: معاذ الله أن يعبد مسلم تلك المشاهد، وأن يأتي إليها معظمًا تعظيم العابد، وأن يخضع لها خضوع الجاهلية للأصنام، وأن يعبدها بسجود أو ركوع أو صيام، ولو وقع ذلك من جاهل لانتهض إليه ولاة الأمر والعظماء، وأنكره العارفون والعلماء، وأوضحوا للجاهل المنهج القويم، وهدوه الصراط المستقيم.

وأما ما جنحت إليه وعوَّلت في التفكير عليه، من التوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على العدى، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، التي لا يقدر عليها إلا رب الأرضين والسموات، إلى آخر ما ذكرتم، موقدًا به نيران الفرقة والشتات، فقد أخطأت فيه خطأ مبينًا، وابتغيت فيه غير الإسلام دينًا، فإن التوسل بالمخلوق مشروع، ووارد في السنة القويمة ليس بمحظور ولا ممنوع، ومشارع الحديث الشريف بذلك مفعمة، وأدلته كثيرة محكمة، تضيق المهارق عن استقصائها، ويكلّ اليراع إذا كُلف بإحصائها، ويكفي منها توسل الصحابة والتابعين، في خلافة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، واستسقاؤهم عام الرمادة بالعباس، واستدفاعهم به الجدب والباس، وذلك أن الأرض أجدبت في زمن عمر رضي الله عنه، وكانت الريح تذرو ترابا كالرماد لشدة الجدب، فسميت عام الرمادة لذلك، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس بن عبد المطلب يستسقي للناس، فأخذ بضبْعَيْهِ وأشخصه قائما بين يديه وقال: اللهم إنّا نتقرب إليك بعم نبيك، فإنك تقول وقولك الحق: {وأمَّا الجِدارُ فكانَ لغُلامَينِ يتيمَيْنِ في المدينةِ وكانَ تحتهُ كنزٌ لهما وكانَ أبوهُما صالحًا}، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه فقد دنونا به إليك مستغفرين، ثم أقبل على الناس وقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، والعباس عيناه تنضحان يقول: اللهم أنت الراعي لا تُهمِلِ الضالةَ ولا تدعِ الكسير بدار مَضْيَعة، فقد ضرع الصغير ورقّ الكبير وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، إنه لا يبأس من رَوْحك إلا القوم الكافرون، اللهم فأغثهم بغياثك فقد تقرَّب القومُ إليك بمكانتي من نبيك عليه السلام، فنشأت سحابة ثم تراكمت، وماسَتْ فيها ريح ثم هزّت، ودرَّت بغيثٍ واكفٍ، وعاد الناس يتمسحون بردائه ويقولون له: هنيئًا لك ساقيَ الحرمين.

فأخبرني –يا أخ العرب- هل تكفّر بهذا التوسل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وتكفر معه سائر من حضر من الصحابة والتابعين، لكونهم جعلوا بينهم وبين الله واسطة من الناس، وتشفّعوا إليه بالعباس، وهل أشركوا بهذا الصنيع مع الله غيره، وما منهم إلا من أنهضته للدين القويم غيرة. كلا والله، وأقسم بالله وتالله، بل مكفّرهم هو الكافر، والحائد عن سبيلهم هو المنافق الفاجر، وهم أهدى سبيلاً، وأقوم قيلاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "اقتدوا بمن بعدي: أبي بكر وعمر".

وإذا قدحت في هذا الجمع من الصحابة الذين منهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهما فمن أين وصل لك هذا الدين، ومن رواه لك مبلغًا عن سيد المرسلين؟ ثم ما تصنع يا هذا في الحديث الآخر الذي رواه مسلم في صحيحه مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم في أويس، وأنه أخبر به عليه الصلاة والسلام وهو من أعلام النبوءة، وأمر عمر بطلب الاستغفار منه، وأنه طلب منه ذلك واستغفر له، وقد قال الله تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام: {يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنَّا كُنَّا خاطِئين}.

فالزائر للأولياء والصالحين إما أن يدعو الله لحاجته، ويتوسل بسرّ ذلك الولي في إنجاح بُغيته، كفعل عمر في الاستسقاء، أو يستمدَّ من المزور الشفاعة له وإمداده بالدعاء كما في حديث أويس القرني، إذ الأولياء والعلماء كالشهداء أحياء في قبورهم، إنما انتقلوا من دار الفناء إلى دار البقاء.

فأيُّ حرج بعد هذا يا أيها القائم للدين، في زيارة الأولياء والصالحين؟ وأي منكر تقوم بتغييره، وتقتحم شقّ العصا وإضرام سعيره؟ ولعلك من المبتدعة الذين ينكرون أنواعًا كثيرة من الشفاعة، ولا يثبتونها إلا لأهل الطاعة، كما أنه يلوح من كتابك إنكار كرامات الأولياء، وعدم نفع الدعاء، وكلها عقائد عن السنة زائغة، وعن الطريق المستقيم رائغة.

وقولكم إن ما قلتموه لا يخالف فيه أحد من المسلمين، افتراء ومين، وإلحاد في الدين، لأن أهل السنة والجماعة يثبتون لغير الأنبياء الشفاعة، كالعلماء والصلحاء وآحاد المؤمنين، فمنهم من يشفع للقبيلة ومنه من يشفع للفئام من الناس كما ورد أيضًا أن أويسًا القرني يشفع في مثل ربيعة ومضر.

وأما المعتزلة فإنهم منعوا شفاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتوا الشفاعة العظمى من هول الموقف، والشفاعة للمؤمنين المطيعين أو التائبين في رفع الدرجات، ولم يثبتوا الشفاعة لأهل الكبائر الذين لم يتوبوا في النجاة من النار بناء على مذهبهم الفاسد من التكفير بالذنوب، وأنه يجب عليها التعذيب.

وأما ما جنحت إليه من هدم ما بُنيَ على مشاهد الأولياء من القباب، من غير تفرقة بين العامر والخراب، فهي الداهية الدهياء والعظيمة العظمى من الظلم التي أضلك الله فيها على علم: {ومَنْ أظلمُ مِمَّن منَعَ مساجِدَ اللهِ أن يُذْكَرَ فيها اسمُهُ وسعى في خرابِها أولئِكَ ما كانَ لهم أن يدخُلوها إلا خائِفينَ لهُمْ في الدنيا خِزْيٌ ولهُم في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ}. وكأنك سمعت في بعض المحاضر بعض الأحاديث الواردة في النهي عن البناء على المقابر، فتلقَّفْته مجملاً من غير بيان، وأخذته جُزافًا من غير مكيال ولا ميزان، وجعلت ذلك وليجةً إلى ما تقلدته من العسف والطغيان، في هدم ما على قبور الأولياء والعلماء من البنيان. ولو فاوضت الأئمة، واستهديت هداة الأمة، الذين خاضوا من الشريعة لُججها، واقتحموا ثَبَجها، وعالجوا غِمارها، وركبوا تيارها، لأخبروك أن محلّ ذلك الزجر، ومطلع ذلك الفجر، في البناء في مقابر المسلمين المعدّة لدفن عامّتهم لا على التعيين، لِما فيه من التحجير على بقية المستحقين، ونبش عظام المسلمين.

وأما ما يبنيه المسلمون في أملاكهم المملوكة لهم، ليصلوا بمن يُدفن هناك حبلهم، فلا حرج يلحقهم، ولا حرمة ترهقهم. فكما لا تحجير عليهم في بناء أملاكهم دُورًا أو حوانيت أو مساجد، كذلك لا حرج عليهم في جعلها قبابًا أو مقامات أو مشاهد.

ثم ليتك إذ تلقفت ذلك منهم، ووعيته عنهم، أن تعيد عليهم السؤال، وتشرح لهم نازلة الحال، وهل يجوز بعد النزول والوقوع، هدم ما بُني على الوجه الممنوع، وهل هذا التخريب محظور أو مشروع. فإذا أجابوك أنه من معارك الأنظار، ومحل اختلاف العلماء والنُّظار، وأن منهم من يقول بإبقائه على حاله، رعيا للحائز في إتلاف ماله، وأن له شبهة في الجملة تحميه، وفي ذلك البناء منفعة للزائر تقيه. ومنهم من شدد النكير، وأبى إلا الهدم والتغيير.

فإذا تحقق عندك هذا، فكيف تقدم هذا الإقدام وتخوض مزالق الأقدام، وتطلق العنان في هدم كل مقام، من غير مراعاة في الدين ولا ذمام. فإذا انفتحت لك هذه الأبواب، نظرت بنظر آخر ليس فيه ارتياب، وهو أن المنكر الذي اقتضى نظرُك تغييره، ليس متفقًا عليه عند أهل البصيرة، وأنه من مدارك الاجتهاد، وقد سقط عنك القيام فيه والانتقاد.

ثم بعد الوصول إلى هذا المقام، أعد نظرًا في إيقاد نار الحرب بين أهل الإسلام، واستباحة المسجد الحرام، وإخافة أهل الحرمين الشريفين، والاستهوان لإصابة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فسيتضح لك أنك غيَّرت المنكر في زعمك، وبحسب اعتقادك وفهمك، وأتيت بجمل كثيرة من المناكر، وطائفة عديدة من الكبائر، آذيت بها نفسك والمسلمين، وابتغيت بها غير سبيل المؤمنين، وتعرضت بها لإذاية الأولياء والصالحين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث رواه البخاري والإمام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قال من عادى لي وليًّا فقد آذنني بحرب"، فكفى بالتعرض لحرب الله خطرًا، وقذفًا في العطب وضررًا.

وأما إنكار زيارة القبور، فأي حرج فيها أو محظور، وأي ذميمة تطرقها أو تعروها، مع ثبوت حديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، فإن هذا الحديث ناسخ لما ورد من النهي عن زيارتها، وماحٍ لما في أول الإسلام من حماية الأمة من أسباب ضلالتها، لقرب عهدها بجاهليتها، وعبادة أصنامها وآلهتها. وكيف تمنع من زيارتها والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها، وسامَ رياضها وأربعها، فقد ثبت في حديث عائشة أم المؤمنين أنه صلى الله عليه وسلم زار بقيع الغرقد واستغفر فيه لموتى المسلمين، وثبت أيضًا أنه زار قبر أمه آمنة بنت وهب واستغفر لها. وأخذ بذلك الصحابة والتابعون، ودرج عليه العلماء والسلف الماضون، فقد ثبت في الأحاديث المروية عن أئمة الهدى ونجوم الاقتداء، أن فاطمة سيدة نساء العالمين زارت عمها سيد الشهداء، وذهبت من المدينة إلى جبل أحد، ولم ينكر من الصحابة أحد، وهم إذ ذاك بالمدينة متآمرون، وعلى إقامة الدين متناصرون. أفنجعل هؤلاء أيضًا مبتدعين، وأنهم سكتوا عن الابتداع في الدين؟ كلا والله، بل يجب علينا إتباعهم، ومن أدلة الشريعة إجماعهم.

وقد مضت على ذلك العلماء في جميع الأقطار، وانتدبوا بأنفسهم للاستمداد من قبور الصلحاء وقضاء الأوطار، ودونوا ذلك في كتبهم ومؤلفاتهم، وسطروه في دواوينهم وتعليقاتهم، وقسموا الزيارة إلى أقسام، وأوضحوا ما تلخص لديهم بالأدلة الشرعية من الأحكام. وذلك أن الزيارة إن كانت للاتعاظ والاعتبار، فلا فرق في جوازها بين قبور المسلمين والكفار، وإن كانت للترحم والاستغفار من الزائر، فلا منع فيها إلا في حق الكافر، فإن الشريعة أخبرت بعدم غفران كفره وعليه حملوا قوله تعالى: {ولا تُصَلِّ على أحدٍ منهُم ماتَ أبدًا ولا تَقُمْ على قبرهِ}. وإن كانت الزيارة لاستمداد الزائر من المزور، وتوخي المكان الذي فضله مشهور، والدعاء عند قبره لأمر من الأمور، فلا حرج فيها ولا محظور، بل هو مندوب إليه، ومرغّب فيه، وإنه مما تشد المطي إليه، ومن خالف في هذا الحكم سبيل جمهورهم، واتبع من الشبهات مخالف منشورهم، فقد شدد العلماء في النكير عليه، وسددوا سهام النقد إليه، وأشرعوا نحوه رماح التضليل، وأرهفوا له سيوف التجهيل، واتفقت كلمتهم على بدعته في الاعتقاد، وثنوا إليه عنان الانتقاد، ومن يُضلل الله فما له من هاد.

وأما النهي الوارد في شد المطي لغير المساجد الثلاثة فإنما هو بالنسبة لنذر الصلاة فيها، فإنه لا يختلف ثواب الصلاة لديها.

وأما المزارات فتختلف في التصريف مقاماتها، وتتفاوت في ذلك كراماتها، وذلك لسرّ في الاستمداد والإمداد لا تطلع عليه، وضُرب بسور له باب بينك وبين الوصول إليه، وقد أوضح ذلك حجة الإسلام، ومن شهد له بالصديقية العلماء والأولياء العظام.

وأما إدماجكم لقبور الأنبياء في أثناء النكير، والتضليل لزائرها والتكفير، فهو الذي أحفظ عليكم الصدور، وأترع حياض الكراهة والنفور، وسدد إليكم سهام الاعتراض، وأوقد شُواظ البغض والارتماض.

فقل لي – يا أخا العرب- هل قمت لنصرة الدين أم لنقض عراه، وهل أنت مصدق بالوحي لنبيه أو قائل: إن هو إلا إفك افتراه؟ وما تصنع بعد اللتيَّا والتي، في حديث "من زار قبري وجبت له شفاعتي"؟ وأخبرني هل تضلل سليمان بن داود في بنائه على قبر الخليل ومن معه من أنبياء بني إسرائيل؟ وما تقول –ويحك- في الحديث الذي رواه جهابذة الرواة، وصححه المحدثون الثقات، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لما أسري بي إلى بيت المقدس، مرّ بي جبريل على قبر إبراهيم عليهما السلام، فقال لي انزل فصلّ هنا ركعتين، فإن ههنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام". وعنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أنه قال: "من لم تُمكنْه زيارتي فليزُر قبر إبراهيم الخليل عليه السلام". فأين تذهب بعد هذا يا هذا؟ وهل تجد لنفسك مدخلاً أو معاذًا؟ وهل أبقيت بعد تضليل جميع الأنبياء ملاذًا؟ {ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذْ هَدَيْتنا وهبْ لنا من لدُنكَ رحمةً إنكَ أنتَ الوهاب}.

وأما تلميحكم للأحاديث التي تتلقفونها، ولا تحسنونها ولا تعرفونها، فهِمْتُم بسبب ذلك في أودية الضلالة، ولم تشيموا بها إلا بُرُوق الجهالة، وسلكتم شِعابها من غير خبير، ونحوتم أبوابها بلا تدبر ولا تدبير، فإن حديث: "لا تتخذوا قبري مسجدًا"، محمله عند البخاري على جعله للصلاة متعبدًا، حفظًا للتوحيد، وحماية للجاهل من العبيد، لأن المصلي للقبلة يصير كأنه مصلٍّ إليه، فحمى صلى الله عليه وسلم حمى ذلك من الوقوع فيه. وأما قصده للزيارة والاستشفاع والاستمداد ببركته والانتفاع، وقصد المسلمين إياه من سائر البقاع، فما يسعنا إلا الإتباع.

وكذلك ما لوَّحْتَ به إلى شدّ الرحال، فإنك أخطأت في الاستشهاد به في نازلة الحال، وذلك أن الحصر في المساجد، دون سائر المشاهد.

وكذلك ما لمحت إليه من حديث تعظيم القبر بإسراجه، فإنك أخطأت فيه واضح منهاجه، مع بهرجة نقده في رواجه، ومحمله – على فرض صحته- على فعل ذلك للتعظيم المجرد عن الانتفاع للزائرين، أما إذا كان القصد به انتفاع اللائذين والمقيمين، فهو جائز بلا مين.

وأما ما تدَّعونه من ذبح الذبائح والنذور، وتبالغون في شأنها التغيير والتنكير، وتصف ألسنتكم الكذب، وتثيرون في شأنها الهرج والشغب، فكون الذبائح المذكورة مما أهِلَّ به لغير الله مكابرةٌ للعيان، وقذفٌ بالإفك والبهتان، فإنا بلونا أحوال أولئك الناذرين، فلم نر أحدًا منهم يسمي عند ذبحها اسم ولي من الصالحين، ولا يلطخ الضرائح بدم تلك الذبائح، ولا يأتون بفعل من الأفعال، الحاكمة على تحريم الذبيحة والإهلال.

وأما نذرها لتلكم المزارات، فليس على أنها من باب الديانات، ولا أن من لم يفعل ذلك يكون ناقص الدين في العادات، وإنما يقصدون بذلك مقاصد الرُّقى والنشر، والانتفاع في الدنيا بسر في التصدق بها استتر، ولم يدر منها إلا ما اشتهر.

والواجب علينا وعليكم الرجوع في حكم نذرها إلى العلماء الأعلام، المتضلعين من دراية الأحكام، المقيمين لقسطاسها، المسرجين لنبراسها، الناقبين على أساسها، ومن لديهم محك عسجدها ونحاسها.

فإن كنتم للحق تقيمون، ومن مخالفة الشريعة تتجرمون {فسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتم لا تعلمون}، {ولا تَقْعُدوا بكُلِّ صِراطٍ توعدون}، فإنهم يهدونكم السبيل، ويفتونكم في هذه المسألة بالتفصيل، وأن هذا الناذر إن نذر تلك الذبائح للولي المعيّن بلفظ الهدي والبدنة، فقد جاء بالسيئة مكان الحسنة، ولكن ما رأينا من خلعَ في هذا المحظور رسَنَه، ولا من اهتصَرَ فَتَنه، وإن نذر تلك الذبائح لمحل الزيارة، بغير هاته العبارة، وكان من الذبائح التي تقبل أن تكون هديًا، فهل يلزمه أن يسعى به لذلك المزار سعيًا، أو لا يلزمه إلا التصدق به في موضعه رعيًا، خلاف في مذهب مالك شهير، قرره النحارير. وإن كان ذلك النذر مما لا يصح إهداؤه، فالقاصد للفقراء الملازمين بمحل الشيخ يلزمه بعثه وإنهاؤه، والقاصد للولي في نذره وتشرعه، لا يلزمه إلا التصدق به في موضعه.

وإذا اتضح لديك الحال، فأي داعية للحرب والقتال؟ وهل يتميز المشروع من هذه الصور بالمحظور، إلا بالنيات التي لا يعلمها إلا العالم بما في الصدور؟ والله إنما كلفنا بالظاهر، ووكل إليه أمر السرائر. ولم يقيّض بالخواطر نقيبًا، ولا جعل عليها مهيمنًا من الولاة ولا رقيبًا.

وإذا التزمت سدَّ الذريعة بالمنع من المشروع، خوفًا من الوقوع في الممنوع، فالتزم هذا الالتزام، في سائر العبادات الواقعة في الإسلام، التي لا تفرقة فيها بين المسلم والكافر، إلا بما انطوت عليه الضمائر. فإن المصلي في المسجد يحتمل أن يقصد عبادة الحجارة، بمثل ما احتمل صاحب الذبائح والزيارة، والصائم يحتمل أن يقصد بصومه تصحيح المزاج، أو المداواة والعلاج، والمزكي يحتمل أن يقصد مقصدًا دنيويًا، أو معبودًا جاهليًا، والمُحرِم بحج أو عمرة، يحتمل أن ينوي ما يوجب كفره.

وإذا وصلت إلى هذا الالتزام، نقضت سائر دعائم الإسلام، والتبس أهل الكفر بأهل الإيمان، وأفضى الحال إلى هدم جميع الأركان، واستبيحت دماء جميع المسلمين، وهدمت صلواتهم ومساجدهم وصوامعهم أجمعين.

فانظر أيها الإنسان، ما هذا الهذيان، وكيف لعب بك الشيطان، وماذا أوقعك فيه من الخسران. فارجع عن هذا الضلال المبين، وقل ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.

وأما ما جلبتم من الأحاديث الواردة في تغيير النبي صلى الله عليه وسلم للقبور، وأنه أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بطمسها وتسويتها، فقد أخطأتم الطريق في فهمها، ولم يأتِكم نبأ علمها، ولو سألتم عن ذلك ذويه، لأخبروكم بأن محمله طمس ما كانت الجاهلية عليه، وكانت عادتهم إذا مات عظيم من عظمائهم، بنوا على قبره بناء كأطمٍ من آطامهم، مباهاة وفخرًا، وتعاظمًا وكبرًا، فبعث صلى الله عليه وسلم من يمحو من الجاهلية آثارها، ويطمس مباهاتها وفخارها، وإلا فلو كان كما ذكرتم، لكان حكم التسنيم كحكم ما أنكرتم.

وإذا استبان لكم واتضح لديكم، انقلبت الحجة التي أتيتم بها عليكم، وكيف تجعلون تلك الأحاديث حجة قاضية على وجوب كون القبور ضاحية، والفرق ظاهر بين البناء على القبور، وحفر القبور تحت البناء، فالأول من فعل الجاهلية الوارد فيه ما ورد، والثاني هو الذي يعوزكم فيه المستند، ولا يوافقكم على تعميم النهي أحد.

وأما ما نزعتم إليه من التهديد، وقرعتم فيه بآيات الحديد، وذكرتم "أن من لم يُجِب بالحجة والبيان، دعوناه بالسيف والسنان"، فاعلم يا هذا أننا لسنا ممن يعبد الله على حرف، ولا ممن يفرُّ عن نصرة دينه من الزحف، ولا ممن يظن بربه الظنون، أو يتزحزح عن الوثوق بقوله تعالى: {فإذا جاءَ أجلُهُم لا يَسْتأخِرونَ ساعةً ولا يستقدِمون}، ولا ممن يميل عن الاعتصام بالله سرًا وعلنًا، أو يشك في قوله تعالى: {قُل لن يُصيبَنا إلا ما كتبَ اللهُ لنا}، وما بنا من وهن ولا فشل، ولا ضعف في النكاية ولا كسل، ننتصر للدين ونحمي حماه، وما النصر إلا من عند الله.

وأما ما جال في نفوسكم، ودار في رؤوسكم، وامتدت إليه يد الطمع، وسوَّلته الأماني والخدع، من أنكم من الفئة الذين هم ومن حالفهم، لا يضرهم من خالفهم، وأنكم من الطائفة الظاهرين على الحق، وأن هذه المناقب تساق إليكم وتَحقّ، فكلا وحاشا أن يكون لكم في هذه المناقب من نصيب، أو يصير لكم إرثها بفرض أو تعصيب، فإن هذا الحديث وإن كان واردًا صحيحًا، إلا أنكم لم تُوفّوا طريقه تنقيحًا، فإن في بعض رواياته "وهم بالمغرب" وهي تحجبكم عن هذه المناقب، وتبعدكم عنها بعد المشارق من المغارب.

فانفض يديك مما ليس إليك، ولا تمدَّنَّ عينيك إلى ما حرِّمت عليك، فإنكاح الثريا من سهيل، أمكن من هذا المستحيل.

أما أهل هذه الأصقاع والذين بأيديهم مقاليد هذه البقاع، فهم أجدر أن يكونوا من إخواننا، وتمتدُّ أيديهم إلى خِواننا، لصحة عقائدهم السنية، وإتباعهم سبيل الشريعة المحمدية، ونبذهم للابتداع في الدين، وانقيادهم للإجماع وسبيل المؤمنين.

وقد أنبأتنا في هذا الكتاب، وأعربت في طيّ الخطاب، عن عقائد المبتدعة، الزائغين عن السنة المتبعة، الراكبين مراكب الاعتساف، الراغبين عن جمع الكلمة والائتلاف، فالنصيحة النصيحة، أن تنزع لباس العقائد الفاسدة وتتسربل العقائد الصحيحة، وترجع إلى الله وتؤمن بلقاه، ولا تكفّر أحدًا بذنب اجتناه، فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله.

وزبدة الجواب وفذلكة الحساب، أنك إن قفوت يا أخا العرب نصحك، وأسَوْت بالتوبة جرحك، وأدملت بالإنابة قرحك، فمرحبًا بأخي الصَّلاح، وحيهلا بالمؤازر على الطاعة والنجاح، وجمع الكلمة والسماح، وإن أطلت في لُجّة الغواية سبْحَكَ، وشيدت في الفتنة صرحك، واختلتَ عارضًا رُمحك، فإن بني عمك فيهم رماح، وما منهم إلا من يتقلد الصفاح، ويجيل في الحرب فائز القِداح.

والله تعالى يسدد سهام الأمة الساعية فيما يحبه ويرضاه، ويُخمد ضرام الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله. والسلام. انتهى.


عبد الرحمان البراك يخرج الأشاعرة من أهل السنة

19 ديسمبر 2011

 

عبد الرحمان البراك، أعلى سلطة مذهبية في السعودية: 

يضلل الأشاعرة الذين هم أغلب المسلمين في كل زمان على مر التاريخ ويخرجهم من أهل السنة والجماعة!!!

خالد زروان  

وهو رأس رؤوس الجهل الذين يتجولون بينكم اليوم يريدون الختم على عقول بعض أبناء المسلمين بخاتم السفاهة بإسم تعليم العقيدة والتوحيد، وهم المجسمون لله والعياذ بالله! تحت عنوان "تعليم العقيدة والتوحيد" يعلمون الشباب المسلم كيف يصنفوا الناس تحت أسماء نفضوا عنها الغبار من التاريخ ليدقوا بها اسافين الفرقة والتشرذم بين المسلمين، فهذا جامي، وهذا جهمي وهذا معطل وهذا مرجيء وهذا وهذا… ولا يبقوا من المسلمين أحداً إلا ضللوه أو كفروه، إلا هم! يعتبرون رأيهم السفيه التافه في تصور الله جسماً مشابهاً للانسان، بيد وعين ورجل …! حتى أنهم اشتقوا صفة العينين لله جل وعلا عما يقولون علوان كبيراً صفة مخالفة للأعور الدجال…! يالها من فضيحة! لهم فضيحة! ولكن للذين يستمعون لهم من أبناء بلد أبي القاسم الشابي صناع الثورة، هي فضيعة فضيعة!!!

لقد قال الإمام إبن الأثير في سلفهم في كتابه "الكامل في التاريخ:"لقد خري أبو يعلى على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء" بعد أن إعتقد في التجسيم، وكان خليفة الإمام أحمد بن حنبل على مذهبه!

وهذا البراك يخر الخرية الثانية التي لا يغسلها الكارشار بإخراجه أغلب المسلمين من أهل السنة وهو بمثابة التضليل لهم … ولتعلموا أن هذا البراك هو شيخ شيوخ الذين ترون من أصحاب الروبة والخمار ألي عملوا العار والذين هم اليوم يعملون ترنسبونديرات لشيوخ آل سلول الذين يضللون أهل تونس ولكنهم لا يتورعون في القدوم إليها!!!

يا أحفاد عقبة، إن الإسلام أمانة في أعناقكم!!! عقيدة الإسلام النقية الصافية كما نلغتكم من اجدادكم يهددها هؤلاء تجار الدين الذين هم في الجهل متمرسين وعلى التجهيل متمرنين وممولين … فيا حماة العقيدة وحماة الثورة قوا أنفسكم وأهليكم من شر التجهيل بدين الله والتطرف والمغالاة … فهؤلاء لو كان فيهم خيراً لظهر في أهل بلاد الحرمين الذين أغرقوهم في الجهل وجعلوا المرأة مذنبة أن تكون فقط إمرأة، وكانوا السبب المباشر في إسقاط الخلافة بإضعافها منذ سنة 1732 بمعونة الإنجليز المالية والعسكرية والخبرة … وهم الآن يقومون بخدمة المشروع الأمريكي وذلك بضرب الرأي العام حول فكرة الخلافة ومن أجل بث الخلافات التافهة بين أبناء الشعب … فمن نقاب إلى ارضاع كبير إلى زواج مسيار … مسائل يدفعني ذكرها فقط إلى التقيء!!!! فكيف بكم شعب عقبة بن نافع تقبلون على ارضكم بعد أن طردتم منها الطاغية واستقبلوه عندهم رؤوس الجهل هؤلاء !

أترككم مع فتوى كبير رؤوس الجهل، أكبر سلطة مذهبية في السعودية بخصوص العقيدة الإسلامية التي يتبناها المسلمون في المغرب الإسلامي وفي مصر وفي الشام وفي اليمن وفي آسيا وفي ماليزيا وفي أندونيسيا، العقيدة الأشعرية وهي بخلاصة عقيدتنا أن الله "ليس كمثله شيء" -آية- ، ولا نجسمه ولا نشبهه ولا نكيفه!

وللفتوى سر وسبب تدل على طبيعة تحالف المصالح بين أحبار آل سلول وبين نظام آل سلول، فهي تستهدف في المقام الأول والرئيسي حزب التحرير الذي يحسبه أحبار آل سلول على الأشاعرة … وتفهموا علاش رؤوس الجهل هؤلاء يموتوا على كلمة "تعليم العقيدة والتوحيد"!!! العقيدة والتوحيد عندهم هو تضليل هذا وتكفير ذاك، تصنيف الناس، هذا جامي، وهذا جهمي وهذا معطل وهذا مرجيء وهذا وهذا… ولا يبقوا من المسلمين أحداً، بل علمائهم وخيرتهم، إلا ضللوه أو كفروه، إلا هم!!!!

"عنوان الفتوى هل يوصف الأشاعرة بالسنة؟
المفتي العلاّمة/ عبد الرحمن بن ناصر البراك
رقم الفتوى 16090
تاريخ الفتوى 4/7/1427 هـ — 2006-07-30
تصنيف الفتوى
السؤال
هل يوصف الأشاعرة بأنهم من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة، وليسوا من أهل السنة والجماعة فيما خالفوهم فيه، أي لا ينفى عنهم مطلق الوصف ولا يعطون الوصف المطلق، وكذا غيرها من الجماعات المخالفة للسنة ؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أهل السنة والجماعة هم الذين اقتفوا طريق السلف الصالح من الصحابة والتابعين وساروا على نهجهم في جميع أصول الإيمان فيؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمنون بالقدر خيره وشره، ويؤمنون بكل ما يدخل في هذه الأصول مما جاء في الكتاب والسنة، فمن استقام على هذا المنهج فهو من أهل السنة والجماعة، ولا يخرجه من دائرة أهل السنة والجماعة أن يخطئ في بعض المسائل، ومن خالف أهل السنة في بعض هذه الأصول فليس هو من أهل السنة والجماعة ولو وافق في بعض الأصول فلا يقال له من أجل ذلك أنه من أهل السنة في كذا، بل يقال إنه يوافق أهل السنة فإن الموافقة في بعض الأمور لا تصير الرجل من الطائفة التي وافقها في بعض معتقداتها ولو صح هذا لأمكن أن يقال إن المعتزلة من أهل السنة في إقرارهم بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ومن أهل السنة لقولهم بأن الإيمان قول وعمل، وهذا غلط ظاهر ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم لكن الأشاعرة هم أقرب إلى أهل السنة من المعتزلة وهم ينتسبون إلى السنة في مقابل المعتزلة، وكيف يكونون من أهل السنة وهم يخالفونهم في باب صفات الله وفي رؤية الله وفي كلام الله وفي الإيمان وفي أفعال العباد وفي الحكمة والأسباب فلا يصح أن يقال إنهم من أهل السنة في كذا وليسوا من أهل السنة في كذا لكن يقال إنهم يوافقون أهل السنة، وهذا الكلام أكثر ما ينطبق على متأخري الأشاعرة، خصوصاً المعاصرين فإنهم أبعد عن مذهب أهل السنة من أكثر المتقدمين كيف وبعض هؤلاء يتصدى لخصومة أهل السنة والتشنيع عليهم وتلقيبهم بالمجسمة والمشبهة كما صنع بعض أسلافهم ومع هذا فلا ينكر ما لبعض العلماء المعدودين من الأشاعرة من آثار حميدة في الدين علماً وعملاً، فرحمهم الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيراً وعفا عنا وعنهم، والله أعلم."
http://www.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=16090

وأردفها بأخرى:

"عنوان الفتوى كثرة الأشاعرة هل تدل على أنهم على الحق؟
المفتي العلاّمة/ عبد الرحمن بن ناصر البراك
رقم الفتوى 16553
تاريخ الفتوى 13/9/1427 هـ — 2006-10-06
تصنيف الفتوى
السؤال
المشايخ الأفاضل: نعلم كلنا أن من رحمة الله عز وجل بأمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم- أنه لم يقبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، وتكفل رب العزة بحفظ هذا الدين إلى أن يشاء الله، فإذا تأملنا هذا الكلام ورجعنا إلى التاريخ الإسلامي، نجد أن السواد الأعظم من أهل الإسلام على البينة في أي عصر يعيشه الإسلام منذ الخلافة الراشدة، ومرورًا بكل الدول الإسلامية، وحتى يومنا هذا، هذا التفكير على الرغم من عقلانيته ومنطقيته إلا أنه غير مريح، لأننا إن طبقناه على أنفسنا وعقيدتنا فسنجد أن مذهب الأشاعرة هو الذي ساد في أهل السنة طوال هذه السنين، ولم يعرف في عامة أهل السنة شيوع ما نقول عنه إنه اعتقاد السلف، فإن كان ما نراه هو اعتقاد الصحابة، رضي الله عنهم، والسلف، فلِمَ لَم يظهره الله عز وجل، وأظهر غيره عليه؟

الجواب
الحمد لله، وبعد:
لقد بعث الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وقد تحقق هذا كما وعد- سبحانه وتعالى- فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ليلاً ونهارًا سرًّا وجهرًا بقوله وفعله حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، فما مات– صلى الله عليه وسلم- حتى أكمل الله له ولأمته دينهم، وأتم عليهم نعمته، كما جاء في الآية الكريمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، يعني: أنه- صلى الله عليه وسلم- قد بين هذا الدين أكمل بيان، فبلغ رسالات ربه كما أمره الله بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)[المائدة:67]. وأمر صحابته، رضي الله عنهم، أن يبلغوا فقال في خطبته في حجة الوداع: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ". وقال: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً". فقام أصحابه، رضوان الله عليهم، بالبلاغ والدعوة، والجهاد أسوة بنبيهم صلى الله عليه وسلم، وانتشر الإسلام بالمعمورة شرقًا وغربًا.
وقد أخبر- صلى الله عليه وسلم- أنه يطرأ على هذه الأمة افتراق واختلاف، وبين أن الفرقة الناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، رضي الله عنهم، كما أخبر- صلى الله عليه وسلم- أن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وقد وقع الأمر كما أخبر- عليه الصلاة والسلام- وبدأ الافتراق في الأمة منذ أن ظهرت الخوارج والرافضة، والمرجئة والقدرية، ثم تفرعت الفرق،وتعددت، وظهرت بدعة التعطيل التي يعرف أهلها بمؤسسها الجهم بن صفوان، وهم الجهمية، وتفرع عن بدعة التعطيل، فرق شتى اضطربت مذاهبهم في صفات الله، وفي كلامه، وفي القدر، فغلبت على الأمة هذه المذاهب، ولكن الله قد ضمن حفظ كتابه ودينه، فلم يزل في هذه الأمة من يقيم لها أمر دينها بالبيان، كما جاء في الحديث المشهور: "يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْه انْتِحالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ وتَحْرِيفَ الغَالِينَ". وفي الحديث الآخر: "إنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا". ومع هذا الافتراق، وهذا الاختلاف لابد من رد ما اختلف فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، واعتبار ذلك بما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم، وإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وقد وعد الله بالرضا والجنة السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ)[التوبة:100]. والحق إنما يعرف بدلالة كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام- لا يعرف الحق بالكثرة، فإن الله تعالى أبطل ذلك، حيث بين أن الكثرة لا يعوَّل عليها، كما قال تعالى: (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف:21]. وقال تعالى: (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) [يوسف:38]. وقال تعالى: (وَإِن
تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)[الأنعام:116]. والسنة ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلت عليها نصوص الكتاب والسنة، والأشاعرة فرقة من الفرق الإسلامية، وهم وإن كانوا ينتسبون إلى السنة، فليس مذهبهم موافقًا لما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم، وما دل عليه القرآن والحديث، فمذهب الأشاعرة يتضمن أمورًا مخالفة كنفي كثير من الصفات حيث لا يثبتون إلا سبعًا من الصفات، ويقولون: إن الإيمان هو مجرد التصديق. ويخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، وهذا مذهب المرجئة، ومن أصول مذهبهم نفي تأثير الأسباب في مسبباتها، ومن ذلك نفي تأثير قدرة العبد في أفعاله، ومن ذلك قولهم بأن كلام الله معنى نفسي لا يسمع من الله؛ لأنه ليس بحرف،ولا صوت، وأن هذا القرآن عبارة عن كلام الله ليس هو كلام الله حقيقة؛ فموسى لم يسمع كلام الله من الله، بل إن الذي سمعه كلامٌ خلقه الله في الشجرة وهو عبارة عن المعنى النفسي، وهذا من أعظم التنقص لله، حيث يتضمن هذا القول تشبيه الله بالأخرس، ولا يزكي هذه الأقوال إن قال بها بعض الأكابر والفضلاء من أهل العلم فإنهم غير معصومين، وما قالوه من هذه الأقوال المخالفة لمذهب السلف الصالح هو مما يعد من أخطائهم التي لا يتابعون عليها، وهم في ذلك مجتهدون ومأجورون، والواجب على المسلم أن يحكِّم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يتعصب لإمام، أو مذهب، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. والله أعلم."
http://www.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=16553&catid=0&Itemid=35

نقض فتوى البراك في حق أهل السنة الأشاعرة -فاعل خير الله يعلمه-
http://almostanear.maktoobblog.com/1099/%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%81%d8%aa%d9%88%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%83-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%82-%d8%a3%d9%87%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%b1/


صفات الذات الإلهية بين منهج الصحابة ومنهج السلفيين الجدد- طارق السويدان

19 ديسمبر 2011

 صفات الذات الإلهية

بين منهج الصحابة ومنهج السلفيين الجدد

 

أثنى الله على المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فقال تعالى "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بقوله "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" فمن أراد النجاة فليلزم طريق الصحابة فقد علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صفات الله كلها بألفاظ واضحة صريحة ولن نظفر بخير فاتهم، لذا فعلم الكلام مهما قل أو كثر إن كان مؤداه أن نقول في باب الصفات ما لم يقله الصحابة فبئس العلم. وليس هناك عقيدة للسلف وعقيدة للخلف فلن يصلح خلف هذه الأمة إلا بما صلح به سلفها ولن يفلح سلف ولا خلف إلا بالاقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم فهم خير القرون.

عقيدة الصحابة

 

عقيدة السلف الحقيقيين

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره القيل والقال، وقد علم أمته صفات الله على أكمل وجه. والتعبير عن صفات الله توقيفي نقف فيه على كلام الله ورسوله وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم فيسعنا ما وسعهم. لذا نقول إن الله خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه وكل شيء هالك إلا وجهه، ولا نقول أكثر مما قاله الله ورسوله، فالسكوت على ما سكت عنه الصحابة وإمرار ما أمروه لا نزيد عليه ولا ننقص هو عقيدة السلف الحقيقيين، والبدعة في العقيدة هي أن نقول ما لم يقله الصحابة إذ لو كان القول خيرا لسبقونا إليه. قال ابن كثير في قوله تعالى "والأرض جميعا قبضته يوم القيامة" (وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف) وقال الإمام الشوكاني في رسالة "التحف في مذاهب السلف" (إن إمرار آيات الصفات على ظاهرها هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين) وقال أيضا (وسبب اختلافهم عدم وقوف المنتسبين إلى العلم حيث أوقفهم الله، ودخولهم في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها) وقال (كانوا إذا سأل سائل عن شيء من الصفات تلوا عليه الدليل وأمسكوا عن القال والقيل، وقالوا: قال الله هكذا ولا ندري بما سوى ذلك ولا نتكلف ولا نتكلم بما لم نعلمه ولا أذن الله لنا بمجاوزته) وقال البيهقي في الأسماء والصفات 2/197،198(قال يحيى بن معين: شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا فقال: يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعني مثل الكرسي موضع القدمين ونحو هذا؟ فقال وكيع: أدركنا إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا. وقال أبو عبيد: هذه الأحاديث التي يقول فيها: ضحك ربنا من قنوط عباده وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك قدمه فيها، والكرسي موضع القدمين، هذه الأحاديث في الرواية هي عندنا حق، حملها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها). 

أمثلة من التأويل في كل كتب التفسير

تأويل بعض الصفات لفهم مراد الله ثابت في كل كتب التفسير المعتبرة. يقول القرطبي في قوله تعالى "بل يداه مبسوطتان": (اليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى {وخذ بيدك ضغثا} ص44، وهذا محال على الله تعالى. وتكون للنعمة؛ تقول العرب: كم يد لي عند فلان، أي كم من نعمة لي قد أسديتها له، وتكون للقوة؛ قال الله عز وجل {واذكر عبدنا داود ذا الأيد} ص17، أي ذا القوة. وتكون لإضافة الفعل إلى المخبر عنه تشريفا له وتكريما؛ قال تعالى {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص75). وقال الشوكاني في "فتح القدير" (والعرب تطلق غل اليد على البخل وبسطها على الجود مجازا ولا يريدون الجارحة)، وفي آية "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" قال الشوكاني (أضاف خلقه إلى نفسه تكريما له وتشريفا مع أنه سبحانه خالق كل شيء، قال مجاهد: اليد هنا بمعنى التأكيد والصلة مجازا كقوله "ويبقى وجه ربك" الرحمن27 وقيل أراد باليد القدرة يقال مالي بهذا الأمر يد ومالي به يدان ومنه قول الشاعر: 

تحملت من ذلفاء ما ليس لي يد ولا للجبال الراسيات يدان

وقيل التثنية في اليد للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه) ونلاحظ أنه نسب القول بالمجاز لمجاهد وهو تابعي وذكر القول بأنها من صفات الذات بصيغة التمريض لضعفها. فالأصل في هذه الصفات أنها جوارح لكنها تطلق في لغة العرب كثيرا على ما تقوم به هذه الجوارح، فعندما قالت اليهود يد الله مغلولة كانوا يقصدون أنه بخيل كما قال ابن كثير ولم يقصدوا أن يديه موثقة، فرد الله عليهم بقوله "بل يداه مبسوطتان" ليدل على واسع كرمه سبحانه لأن الإنفاق باليدين يدل على شدة العطاء والجود. وحين يريد أحد أن يصف قدرته على غيره يقول هو في يدي وفي قبضتي. وللتأكيد على الملك والقدرة يقول هو في يميني ومنه ملك اليمين، وفي لسان العرب (وجه الشيء مستقبله، قال تعالى "فأَيْنَما تُوَلُّوا فثَمَّ وَجْهُ اللهِ" ووجه النهار أوله وقوله عز وجل: كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وَجْهَهُ؛ قال الزجاج: أَراد إلا إيَّاهُ)، وفي تفسير ابن كثير لقوله تعالى "يوم يكشف عن ساق" أورد ابن كثير حديث البخاري "يكشف ربنا عن ساقه .." ثم أورد تأويلات الساق وهذا يدل على أن التأويلات تفسر الساق في الآية والحديث فقال: (عن ابن مسعود أو ابن عباس الشك من ابن جرير يوم يكشف عن ساق قال عن أمر عظيم كقول الشاعر وقامت الحرب عن ساق، وعن مجاهد يوم يكشف عن ساق قال شدة الأمر وقال ابن عباس هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة) ونلاحظ نقله تأويل الصحابة والتابعين للساق عن ابن جرير الطبري وهو أكبر المثبتين للصفات، ولم أجد قولا واحدا يقول إن الساق صفة من صفات الله، وقال الطبري في قوله تعالى "فثم وجه الله" (عن مجاهد قال فثم الله، وقال بعضهم فثم قبلة الله) فلم يكن المثبتون للصفات يذكرون التأويل على أنه انحراف عقائدي، ولا يوجد دليل على وجوب أخذ الصفات على ظاهرها وتحريم المجاز فيها. وقال ابن كثير "ولتصنع على عيني" أي بمرأى منا و"تجري بأعيننا" أي بمرأى منا، والصحابة لم يروا تعارضا بين الآيتين ولم يجتهدوا لمعرفة عدد الأعين، وقد كانوا يسألون ابن عباس عما يشكل عليهم من آيات ظاهرها التعارض، لذا لا ينبغي أن نقول إن لله عينين حقيقيتين يرى بهما لأن الصحابة لم يقولوا ذلك، وظهور فرق مبتدعة لا يخرجنا عن الوقوف على ما وقف عليه الصحابة.

حكم من أوهم أن الله جسم أو يتألف من أبعاض

قال الإمام أحمد بن حنبل عن الجسم (وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسماً لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) كتاب اعتقاد الإمام المبجل أبي عبد الله أحمد بن حنبل.
الراجح في المذاهب الأربعة أن من قال إن الله جسم كأجسامنا فقد كفر لأنه مشبه، ومن قال إنه جسم لا كالأجسام فقد كفر، ومن أوهم السامع بأنه جسم فقد كفر لأنه إيهام بنقص. وإليك تفصيل ذلك في المذاهب الأربعة.
في مذهب الحنفية من قال هو جسم كالأجسام أو أطلق فقال جسم فقد وقع في بدعة مكفرة، ومن قال إن الله جسم لا كالأجسام فقد وقع في بدعة مفسقة وقيل مكفرة. في تبيين الحقائق للزيلعي: 1/135: (والمشبّه إذا قال: له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع; لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل أولى بالتكفير)

وعند المالكية لا يختلف الحكم عما عند الحنفية، وفي حاشية العدوي على شرح الخرشي: (من قال: جسم كالأجسام هذا هو الذي يكفر قائله, أو معتقده, وأما من قال: جسم لا كالأجسام فهو مبتدع على الصحيح) وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب 1/102: (وكمن يعتقد أن الله جسم كالأجسام, وأما من يعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر إلا أنه عاص; لأن المولى سبحانه وتعالى ليس بجسم)

أما الشافعية فلهم تفصيل فالتجسيم الصريح كفر وغير الصريح ليس بكفر والمراد بالتجسيم الصريح هو التصريح بأن الله جسم ذو أبعاد، وغير الصريح هو إثبات ما يلزم منه التجسيم, أو القول بأنه جسم لا كالأجسام. وفي البحر المحيط للزركشي 8/280: (وأما المخطئ في الأصول والمجسمة فلا شك في تأثيمه وتفسيقه وتضليله، واختلف في تكفيره)
وللحنابلة أيضا تفصيل: فعلماء ومجتهدي المجسمة عندهم كفار وعامتهم ومقلديهم ليسوا بكفار. ومن الحنابلة من يطلق التكفير على المجسمة من غير تفصيل ومنهم من يطلق عدم التكفير. نقل ابن حمدان في نهاية المبتدئين ص30 عن أحمد ( تكفير من قال عن الله جسم لا كالأجسام) ونقله صاحب الخصال من الحنابلة انظر كتاب تشنيف المسامع ص 346
 

الفارق بين: إمرار آيات الصفات على ظاهرها

 

وإثبات الصفات على ظاهرها

إمرار آيات الصفات على ظاهرها يعني عدم الخوض فيها وعدم السؤال هل هي على الحقيقة أم المجاز، لذا قال وكيع كما أسلفنا "كنالا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها"وهذا هو معنى إمرارها كما جاءت. أما إثبات الصفات على ظاهرها فهو أن نثبت للهكل ما نسبه إلىنفسه وحمله على الحقيقة كإثبات اليدين والوجه والساق ولا يكفي أن نقول إن مراد الله من الآية كذا وكذا كما يقول ابن كثير وغيره من المفسرين... لقد نسب الله لنفسه الروح في قوله تعالى "ونفخنا فيه من روحنا" ونسب سبحانه لنفسه الحبل في قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا" ولم يقل عالم فضلا عن صحابي يجب أن نثبت لله روحا حقيقية وحبلا حقيقيا بالمعاني الظاهرة التي نعرفها... ونخشى أن يخرج علينا فيما بعد عالم تقي من أبناء السلفيين الجدد تربى على تأصيل إثبات ما نسبه الله لنفسه فيقول بوجوب إثبات الحبل والروح لله سبحانه، ثم يتهم هو وأتباعه إخوانهم السلفيين بأن قلوبهم مريضة بمرض التشبيه، وأنهم لما رأوا الإنسان له يدان وليس له حبل أثبتوا اليدين وعطلوا الحبل، فهم معطلة وهم شر أهل البدع والإلحاد. 

السلفيون الجدد

خلط بعض العلماء بين إمرار آيات الصفات على ظاهرها وإثبات الصفات على ظاهرها. بعضهم خلط متعمدا وكان كذابا لبس ثياب العلماء لإدخال التشبيه على الأمة كأبي مطيع البلخي، وبعضهم فعل ذلك بحسن طوية وحذر من إثبات الصفات على الحقيقة كالخطيب البغدادي، ومنهم من أثبتها ولم يحذر، ومع البعد عن زمن النبوة وجدنا شبابا قل فقههم وزاد اجتراؤهميقولون على المنابر (إن الله له وجه وعينان ويدان وأصابع ورجل وساق) وكأنهم يضعون صورة لله سبحانه، وهذا الأسلوب لم يرد عن الصحابة ويوحي بأن لله أعضاء وإن اختلفت عن أعضائنا في الشكل والحجم والجمال، وهذا يوهم بنقص وأن الله يتألف من أبعاض ولم يأذن الله لنا في اعتقاده. كما أن إضافة صفة العينين استنتاجا لما جاء في أحاديث الدجال أن الله ليس بأعور، فيه تكلف وتأثر بهيئة المخلوق واجتهاد في غير بابه. في كتاب "المفسرون بين التأويل والإثبات" قال المغراوي عند صفة العين ص619 (قال ابن كثير في قوله تعالى "واصنع الفلك بأعيننا" أي بمرأى منا.. وكان ينبغي للحافظ ابن كثير أن يبين الصفة ثم يذكر اللوازم التي هي الرؤية). وعند صفة الحياء "إن الله لا يستحيي" قال ابن كثير أي لا يستنكف فقال المغراوي ص608 (كان على ابن كثير أن يثبت الصفة اللائقة بالله تبارك وتعالى ثم يذكر لوازمها) وكذلك لم يعجبه كلام ابن جرير الطبري في صفة الحياء، فهؤلاء السلفيون الجدد أصلوا وجوب إثبات الصفات على ظاهرها وتحريم المجاز جهلا بلغة القرآن ثم حاسبوا المفسرين وما نسب للصحابة والتابعين من تأويل واعتبروه خروجا عن الأصل. 
إن جهلنا بلغة العرب جعل المغراوي يقول في مقدمة كتابه (إن المجاز طاغوت .. لهذا يندر أن تجد نحويا أو لغويا ذا عقيدة سلفية) وغريب قوله، فقد شهد على نفسه بأن اللغويين يميلون إلى القول بالمجاز ولاشك أن الصحابة كانوا لغويين، كما شهد على نفسه بأن مرجعيته ليسوا من أهل النحو واللغة. المشكلة الأعظم التي شتتت الأمة هي زعمهم أن تأويل هذه الصفات ليس لمعرفة مراد المتكلم بل هو تأويل من باب الإلحاد في أسماء الله وصفاته، كذلك من فوض العلم بمعاني هذه الصفات إلى الله تعالىحتى لا يثبتها على الحقيقة كما فعل الخطيب البغدادي لم يسلم منهم أيضا وشنوا عليه حملتهم وسموهم المفوضة وقالوا إنهم يعبدون الوهم، وكأن هذه الصفات على ظاهرها هي جوهر الذات الإلهية وحقيقتها. 
قد يعكس هذا رأيهم فيما رواه البخاري ومسلم مرفوعا "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا" فقد جعل بعض السلفيين الهاء في "صورته" عائدة على الله، وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه للأربعين النووية (ص34) (من جعل الهاء عائدة على آدم فقد حرف تحريفا مشينا مستكرها لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته وهذا هراء لا معنى له) وهذا أيضا رأي ابن باز واستشهد بلفظ للحديث فيه "على صورة الرحمن" لكن جاء في "فتاوى الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في المدينة والإمارات" جمع وترتيب الشيخ عمرو عبد المنعم سليم صفحة (16-17) أن الضمير عائد على آدم وتتمة الحديث وهي ستون ذراعا في السماء تغني عن التأويل. أي أنه لم يخلق طفلا ثم كبر كبقية البشر، أما حديث (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) فذكر أنه ضعيف بهذا اللفظ لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت وهو مدلس, وقد رواه معنعنا في كل الطرق, وكلها تدور عليه.

الرد على أدلة السلفيين الجدد

(1)يقولون لو كان ذكر اليدين والوجه وغيرها في القرآن على غير الحقيقة لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعقل أن يترك أصلا من أصول التوحيد دون تبيين. وهذا غريب فالعكس هو الصحيح، إذ لو كانت على الحقيقة ومن أصول التوحيد لبينها صلى الله عليه وسلم لأنه لم يترك أصلا من أصول التوحيد دون تبيين، ولا مانع أن يكون الصحابة فهموها على لغة العرب وأشعارهم وما فيها من مجاز لقول ابن عباس في طبقات القراء (1/426) «إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر؛ فإن الشعر ديوان العرب» ورغم ذلك نقول بإمرار الآيات كما أمرها النبي وصحابته الكرام، فنثبت ما أثبتوه ونؤول ما أولوه ونسكت عما سكتوا عنه.
(2)من أثبت لله صفة اليدين والوجه وغيرها مجردة دون أن يكتفي بتلاوة الآية والحديث لإمرار الأخبار كما جاءت كما هو منهج الإمام أحمد ومالك والشوكاني وابن كثير اعتمدوا على ما يلي: 
ما جاء عن الإمام أبي حنيفة في كتاب الفقه الأكبر من إثبات اليدين والوجه: قال المحققون ومنهم محمد الخميس وسفر الحوالي على موقعه إننا لانستطيع إسناد كل ما في الكتاب إلى الإمام أبي حنيفة وإن كانللكتاب أصل عنه. وهم يقولون ذلك رغم أنهم سلفيون لأن الإمام الماتريدي أخذ عقيدته من الكتاب فيريدون أن يردوا ما يخالف اعتقادهم ويقبلوا ما يوافقهم. وأكثر المحققين على أن الكتاب كتبه أبو مطيع البلخي وقال إنه من إملاءات الإمام، فانظر ماذا قال العلماء في أبي مطيع: قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (2 / 335): (قال أبو حاتم الرازي: كان مرجئا كذابا) وقال ابن الجوزي ـ بعد حديث في أنّ الإيمان يزيد وينقص: «هذا حديث موضوع بلا شك، وهو من وضع أبي مطيع، واسمه الحكم بن عبد الله، قال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه شيء. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال أبو حاتم الرازي: كان أبو مطيع مرجئاً كاذباً» (الموضوعات 1: 130). فكيف نأخذ عقيدة الإمام أبي حنيفة من كذاب. 
ما جاء عن الإمام الشافعي في إثبات الصفات مجردة كقوله (وأن له يدين..) جاء من رواية أبي طالب العشاري،وقال الحافظ ابن حجر في ترجمته في لسان الميزان: (محمد بن علي بنالفتح أبو طالب العشاري شيخ صدوق معروف لكن أدخلوا عليه أشياء فحدث بهابسلامة باطن منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء ومنها عقيدة للشافعي...إلى أن قال: والعتب إنما هو على محدثي بغداد كيف تركوا العشاري يروي هذه الأباطيل) وفي المقابل فقد ورد اعتقاد الشافعي في [سير أعلام النبلاء ج10 ص31] (عن المزني قال: قلت إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلَّق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحداً لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق اللهُ فيه فرعون، أبلغك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: أتدري كم نجماً في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، ممَّ خُلِق؟ قلت: لا، قال: فشيءٌ تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟). ونلاحظ قوله: هل تكلم فيه الصحابة؟ 
أما ما نسب إلى الحنابلة من أقوال ابن أبي يعلى في كتابه "الاعتقاد" فيكفي أن ابن أبي يعلى أورد في كتابه "إبطال التأويل" روايات واهية منها أن الله تعالى لما استوى على العرش اسْتَلْقَى وَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، ومنها أن الله خَلَقَ الْمَلائِكَةَ مِنْ نُورِ الذِّرَاعَيْنِ وَالصَّدْر، وقال الإمام ابن الأثير في كتابه " الكامل في التاريخ" (8/16) ما نصه: "أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمنه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى المشعرة بأنه يعتقد التجسيم" وقال في نفس الكتاب (8/104) "لقد خري أبو يعلى على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء" فهل نأخذ عقيدة الحنابلة منه ونترك ما جاء (عن أبي بكر المروذي قال: سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها، وقال: تلقتها الأمة بالقبول وتمر الأخبار كما جاءت) [مناقب الشافعي لابن أبي حاتم ص182]
وعقيدة الإمام مالك في الصفات: عن وليد بن مسلم قال: سألت مالكاً، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات؛ فقالوا أمِرّوها كما جاءت. [الصفات للدارقطني ص75، الشريعة للآجري ص314، الاعتقاد للبيهقي ص118، التمهيد لابن عبد البر ج7 ص149]
أما رسالة الصفات للخطيب البغدادي وهي ضمن ما يعتمد عليه السلفيون الجدد لأنه صرح بإثبات الصفات مجردة فإنه ينبغي أن ننتبه إلى أن الإمام الحافظ رحمه الله لم يقصد أن يثبتها على الحقيقة بل أنكر ذلك في الرسالة نفسها بقوله "وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف" وكلمة حققها أي أثبتوها على الحقيقة. وكأنه رحمه الله يريد إثباتها ألفاظا ويفوض معناها إلى الله.
أما ابن خزيمة فقد قال الذهبي عنه: (كان رأسًا في الحديث.. رأسًا في الفقه.. من دعاة السنة.. وغلاة المثبتة).. وذلك كما في مختصر العلو للألباني رحمه الله.. ص226 طبعة المكتب الإسلامي.
أتمنى أن يكف السلفيون الجدد عن اتهام العلماء والدعاة في عقائدهم وتقسيم المسلمين إلى مفوضة ومؤولة فكفى الأمة تشتتا وضياعا.